للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعذرت المصلحة إلا بالذريعة شرعت، واكتفى منها إذا لم يكن هناك مصلحة، وهو التطوع المطلق، فإنه ليس في المنع منه مفسدة، ولا تفويت مصلحة؛ لإمكان فعله في سائر الأوقات" (١).

وذلك كالنهي أول الإسلام عن زيارة القبور سدًّا لذريعة الشرك، فلما استقر التوحيد في نفوسهم، وقوي الإيمان في قلوبهم أذن في زيارتها، وهذا يدل على أن النهي كان بسبب الخوف من الفتنة بالقبور أول الأمر، ولما كان يحصل عندها من الأقوال المنكرة، والأفعال الشنيعة، فسدت ذريعة ذلك بمنع الزيارة (٢).

يقول الإمام ابن القيم: "بل كان في أول الإسلام قد نهى عن زيارة القبور؛ صيانة لجانب التوحيد، وقطعًا للتعلق بالأموات، وسدًّا لذريعة الشرك التي أصلها تعظيم القبور وعبادتها كما قال ابن عباس، فلما تمكن التوحيد من قلوبهم، واضمحل الشرك، واستقر الدين أذن في زيارة يحصل بها مزيد الإيمان، وتذكير ما خلق العبد له من دار البقاء، فأذن حينئذٍ فيها، فكان نهيه عنها للمصلحة، وأذنه فيها للمصلحة.

وأما النساء؛ فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام، من فتنة الأحياء، وإيذاء الأموات، والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة، والشريعة مبناهما على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة" (٣).

وليس في ترك الزيارة المتذرع بها إلى الشرك أو الفساد أدنى


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢١٤).
(٢) انظر: المصدر نفسه (٢٧/ ٣٧٦)، وزاد المعاد (٣/ ٦٠٨).
(٣) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (٩/ ٤٤)، وانظر: إغاثة اللهفان (١/ ٢٠٠).