يأتي أتناول بعض ما ذكره أهل العلم من فروع ومسائل متعلقة بالقاعدة، أو ظهر لي من خلال كلامهم:
أولًا: دلت القاعدة على ثبات الحقائق والمعاني للألفاظ والأسماء، إذ إن جميع الأحكام الشرعية إنما بنيت على الحقائق والمعاني، وهي بلا شك مرتبطة بأسمائها الشرعية التي جاءت بها النصوص الشرعية في القرآن والسُّنَّة، فالعبرة والمعول على الحقائق والمعاني، فهي التي عليها مدار الأحكام، وبها يكون الحكم والقضاء، ولا ينكر أهمية المحافظة على الألفاظ والأسماء الشرعية، وأن تغييرها مع اعتبار الحقيقة الأولى يعد من التحريف والكذب على الله تعالى.
ويستخلص من ذلك: أن حكم الشيء تابع لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه ولا لاعتقاد فاعله: يوضح ذلك: أن من أطاع مخلوقًا في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذه ربًّا وإلهًا ومعبودًا من دون الله، كما قال تعالى في شأن اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١]، وقد قال عديّ بن حاتم لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ هذه الآية فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنهم لم يعبدوهم فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرموه"(١).
فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية لم يسمّوا أحبارهم
(١) أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب: تفسير القرآن (٥/ ٢٧٨)، برقم (٣٠٩٥)، والبيهقي في السُّنن الكبرى (١٠/ ١١٦)، برقم (٢٠١٣٧)، وصحح الشيخ الألباني بعض طرقه في السلسلة الصحيحة (٧/ ٨٦١)، رقم (٣٢٩٣)، وحسن بعضها في غاية المرام حديث رقم (٦).