للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورهبانهم أربابًا ولا آلهة، ولا معبودين، ولا كانوا يعتقدون أو يظنون أن فعلهم هذا معهم عبادة لهم، ولهذا استعظم عدي هذا وقال: إنهم لم يعبدوهم، ومع ذلك سمَّاهم الله أربابًا وبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فعلهم هذا عبادة وتأليه لهم، ولم يكن عدم ظنهم هذا عذرًا لهم، ولا مزيلًا لاسم فعلهم ولا رافعًا لحقيقته وحكمه.

وفي هذا دلالة على أن حكم الشيء تابع لحقيقته وما هو عليه، لا لاسمه، ولا لاعتقاد فاعله.

ثانيًا: فيها الرد على من أجاز الشرك الواضح الذي لا شك فيه بحجة أنه توسل إلى الله تعالى بأهل الخير والصلاح، وأنه من محبة الأولياء ومن حقهم علينا، والقاعدة تبطل هذا المفهوم الشركي، بل هذا هو عين الإشراك بالله تبارك وتعالى.

يقول الإمام ابن القيم في كلامه على حكم الساحر: "والساحر وإن لم يسم هذا عبادة للشيطان فهو عبادة له، وإن سماه بما سماه به" فإن الشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه، فمن سجد لمخلوق، وقال ليس هذا بسجود له، وهذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبلها بالنعم، أو هذا إكرام لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجودًا لغير الله فليسمه بما شاء" (١).

ويقول الإمام الشوكاني: "إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئًا يختص به سبحانه؛ سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية، أو أطلق عليه اسمًا آخر، فلا اعتبار بالاسم قط، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم" (٢).


(١) بدائع الفوائد (٢/ ٤٦١).
(٢) رسالة الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص ١٨)، ضمن مجموع (الرسائل =