للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا يقول أبو البقاء الكفوي: "العبرة للمعاني دون الصور والمباني" (١).

خامسًا: ومما يستفاد من القاعدة: استعمالها في وزن أقوال الناس وآرائهم ونتائج عقولهم، بحيث لا يغتر بالأقوال والعبارات والألفاظ، إلا بعد تفحصها، ومعرفة حقيقتها، والوصول إلى مضمونها، وملاحظة ما تؤول إليه، وبعد ذلك تعرض على ميزان الكتاب والسُّنَّة، فما وافقهما منها قُبِلَ وإن كانت عبارته ركيكة، وألفاظه منفرة، وما خالفهما من تلك الأقوال رُدَّ وأُبعد وإن كانت ألفاظها منمقة، وأسلوبها مبهرجًا.

يقول الشيخ السعدي: "وأما أهل الإيمان بالآخرة، وأولو العقول الوافية، والألباب الرزينة، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات، ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة؛ فإن كانت حقًا قبلوها وانقادوا لها، ولو كسيت عبارات رديئة، وألفاظًا غير وافية، وإن كانت باطلًا ردوها على من قالها، كائنًا من كان، ولو أُلْبِسَت من العبارات المستحسنة ما هو أرق من الحرير" (٢).

ويقول أيضًا في معنى قوله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: ١١٢]: "أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه فى أحسن صورة ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلًا والباطل حقًا" (٣).


(١) كتاب الكليات (ص ١٠٦٧).
(٢) تفسير السعدي (ص ٢٧٠).
(٣) تفسير السعدي (ص ٢٦٩ - ٢٧٠).