للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومزدلفة (١).

وبعد أن ذكر الإمام الطبري هذه الأقوال وغيرها تعقبها بقوله: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن تعظيم شعائره وهي ما جعله أعلامًا لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم؛ من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم من تقوى قلوبهم، لم يخصص من ذلك شيئًا فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب" (٢).

والناظر في كلام أهل العلم في معنى (الشعائر) يجد بعضهم قد فسرها بحسب معناها في الآية، كما جاء عن ابن عباس وغيره، ومنهم من فسرها بما هو أعم من ذلك، وقد يمثلون بشيء مما مرَّ ذكره.

والصحيح أن الشعائر هي كل ما أشعر الله به عباده وأعلمهم بتعظيمه وتعبدهم بذلك، فهي أعلام الدين، وشعائر الملة، أعم من كونها أعلامًا للحج، وإن كانت شعائر الحج تدخل في ذلك دخولًا أوليًا (٣)، وفيما يأتي بعض ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم في بيان معنى الشعائر:

فعن عطاء: "أنه سئل عن شعائر الله، فقال: حرمات الله، اجتناب سخط الله، واتباع طاعته، فذلك شعائر الله" (٤).

وجاء عنه بأنها: "جميع ما أمر به أو نهى عنه" (٥).

وقال الإمام الطبري: "وأما قوله: {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: فإنه يعني من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلمًا ومشعرًا يعبدونه عندها؛


(١) انظر: تفسير الطبري (١٧/ ١٥٦)، وتفسير السمعاني (٣/ ٤٣٧).
(٢) تفسير الطبري (١٧/ ١٥٧)، وهذا ما رجحه في مواضع أخرى. انظر: (١٧/ ١٥٩).
(٣) انظر: فتح القدير (٣/ ٤٥٢).
(٤) تفسير الطبري (٦/ ٥٤).
(٥) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ١٤٦).