وإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة، وأدلتها واضحة صحيحة، فليس للمسلم أن يدين بأي قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها، وليس له أن يحرم أي خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تكفل الله سبحانه ببيان هذا الدين، وجعله كاملاً، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:٣].
وكماله: احتواؤه على كل خير، ونهيه عن كل شر، ولقد بين وكمل تعاليمه وتفسيره وإيضاح معانيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كلفه الله بأن يبين للناس هذا الدين، فقال تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:٤٤]، أي: لتوضح لهم بالأمثلة وبالإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأفعاله كان هذا البيان من الله تعالى؛ لأنه وحي وتشريع.
فجاء هذا الإسلام -بحمد الله- بكل ما فيه خير ومصلحة، ونهى عن كل ما فيه شر ومضرة كما روي عن بعض العقلاء من الأعراب لما دخل في الإسلام لأول ما عرض عليه، فقال: إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء وقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عنه شيء وقال العقل: ليته أمر به.
والمراد هنا: العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وتنزيهه عن كل شر، وتشهد بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيماً كاملاً صحيحاً، فكان ذلك هو السبب الذي اختاره الله لهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والظلام إلى نور الحق والإيمان، فكان حقاً على عباد الله الذين هداهم الله وأقبل بقلوبهم إلى اعتناقه، وصدقوا الرسول الذي جاء به، يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في العمل به عارفين بأهدافه ومقاصده، غير زائدين فيه ولا مضيفين إليه ما ليس منه، وغير مقصرين في شيء منه ولا مخلين وناقصين بشيء من تعاليمه.