للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الآباء الذين سعوا في إفساد أولادهم]

من الناس من يسعون في إفساد أولادهم، لم يغفلوا عنهم، بل جلبوا إليهم ما يفسدهم، ويصرف فطرهم، ويحرفهم عن الاستقامة، وهؤلاء كثير -والعياذ بالله-، ولعل من أسباب ذلك أن الآباء أنفسهم ليسوا من أهل الاستقامة، ولا من أهل الالتزام بطاعةِ الله، وإنما هم من الذين فسدوا في صغرهم، فكانوا سبباً في فساد أطفالهم، ومن المعلوم أن الأطفال يقتدون بآبائهم فيما يفعلون.

فهناك كثيرٌ من الآباء -هداهم الله- وقعوا في شرب الدخان، ولا شك أن الأبناء إذا شاهدوا والدهم صباحاً ومساءً يشرب هذه السجائر؛ هان أمرها عندهم، وسهل تعاطيها، وقالوا: لو كان فيها ضرر ما أصر عليها والدنا ومربينا، ولو أن الأب قد ينهاهم ويحذرهم عن الوقوع فيها، ولكن لا يقدر على أن يحذرهم تحذيراً دائماً وهو يتعاطى ذلك، وإذا قالوا له: إنا نراك تتعاطى هذا الدخان علناً، فقد يقول: إني مبتلىً به، فيقولون: إذا ابتليت به ولم تتركه كما نشاهد، فما المانع لنا أن نقتدي بك؟ ولا شك أنهم إذا وقعوا في هذه البلية -التي هي شرب الدخان- فسيحصل لهم من أسباب الانحراف الشيء الكثير.

كذلك أيضاً: قد يكون الآباءُ ممن ابتلوا بالسهر على الحرام، يسهر كثيرٌ من الآباء على شرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، فإذا كان الآباء على هذا، فماذا سيكون حال الأبناء؟ لا شك أنهم سيقتدون بآبائهم، ويفعلون كما فعلوا، فيكون ذلك من أسباب انحرافهم -والعياذ بالله- إذا وقعوا في هذه البلية، كذلك الكثيرُ من الآباءِ يكونون ممن ابتلوا بسماع الأغاني واللهو والباطل، والعكوف على سماعها من أشرطةٍ أو إذاعاتٍ مرئيةٍ أو مسموعةٍ، ويتلذذون بذلك، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ورد ذلك في الأثر، وهو وسيلةٌ من وسائل الفساد، وذريعةٌ من ذرائع الفواحش، وإذا ابتلي به من يسمعه من ذكرٍ أو أنثى، لم يصبر -عادةً- عن أن يواقع الفواحش من الزنا أو مقدماته، وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا من الوسائل التي تصرف كثيراً من الأبناء عن الاستقامة إذا رأوا آباءهم يصغون إلى سماع هذه الأغاني والملاهي.

كذلك ابتلي كثير من الآباء بإدخال أجهزةِ الفساد التي هي الدشوش إلى منازلهم، والتي هي من وسائل وأسباب الفحشاء والمنكر؛ لما يعرض فيها من المنكرات، فيرى فيها الناظرون النساء العاريات، والرجال العراة، واقتراف المحرمات، والحيل المحرمة، وسماع المنكرات والكفريات، والسخرية بأهل الصلاح والاستقامة وما إلى ذلك مما تقشعر من ذكره الجلود، وإذا ابتلي الآباء بمثل ذلك ألف هذا الأبناء، فمتى يتفرغون لأداء الصلوات؟ ومتى يتفرغون لقراءة القرآن؟ ومتى يتفرغون لذكر الله ودعائه؟ ومتى يعرفون أن لربهم عليهم حقوقاً؟ ومتى يعرفون أن الله حرم عليهم هذه المحرمات؟ لا شك أنهم ينشئون نشأةً سيئةً بسبب هذه المنكرات التي يشاهدونها في الصباح والمساء، ولا شك أن هذا من التربية السيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>