للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وسطية الإسلام في عيسى بن مريم]

فمثلاً: من كان قبلنا من الأمم منهم من غلا ومنهم من جفا، فجاء الله بالإسلام فجعله بين هؤلاء وهؤلاء، فاليهود يعتقدون في عيسى أنه: ولد بغي، وأن أمه زانية، حيث رموها بالبهتان كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:١٥٦].

وجاءت النصارى فغلوا فيه ورفعوه عن مكانه، وأعطوه ما لا يستحقه، فحكى الله عنهم أنهم قالوا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، وحكى عنهم أنهم قالوا: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] وكذلك كفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة -يعني: الله وعيسى وأمه- كما في قوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦].

فجاء دين الإسلام فتوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فلا إفراط فيه حيث رد على الذين زادوا وقالوا: هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، ولا تفريط فيه حيث رد على الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي، بل شهد بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وجعلوه رسولاً كسائر الرسل، كما في قول الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:٧٥]، فشهد له بأنه رسول، وحكى كلامه في قوله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف:٦]، فهو رسول كسائر الرسل، وهذا هو القول الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.

<<  <  ج: ص:  >  >>