وأيضاً هناك إفراط وتفريط في كثير من المعاملات، فكثير من الناس يتعاملون ولا يبالي أحدهم بالمحظور من المعاملات، فتجدهم يتعاملون بالغش والربا، وأخذ المال بالباطل، فهؤلاء قد زادوا وتوسعوا في بعض المعاملات، بحيث إنهم لا يعتقدون أن هناك معاملة محرمة، فعندهم الغش والزيادة على المسلم، وإيقاعه فيما يكتسبون من ورائه ونحو ذلك، كل ذلك يرونه جائزاً ومباحاً! فيبيحون لأنفسهم ما لم يبحه لهم الشرع.
بينما هناك من يتشدد في بعض المعاملات، ويمتنع عن أشياء أباحها الله، فيمتنع عن البيع الذي أباحه الله، ويمتنع عن الإجارة التي أباحها الله، ويمتنع عن التكسب من العمل الذي أباحه الله، واعتقدوا أن ذلك ممنوع وأن فيه خطراً وأن فيه خطأ، فوقعوا في التقصير والنقص، وأولئك وقعوا في الزيادة والغلو والإفراط، وخير الأمور أوسطها، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وبالجملة فإن السبب الذي أوقع هؤلاء وهؤلاء في الإفراط والتفريط هو الشيطان، فإن الشيطان يوسوس حتى يخرج هؤلاء من العبادة، ويخرج هؤلاء من العبادة، أو حتى تمل كثير من العبادات ويثقلها عليهم، ويثقل عليهم المكاسب ونحوها، ويوقع هؤلاء في المحرمات أو في المشتبهات التي تجر إلى المحرمات، فيحصل أنه أضل خلقاً كثيراً؛ ليصدق على الناس ظنه كما قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[سبأ:٢٠].
نسأل الله أن يبصرنا بالحق الذي هو دين الحق، والذي اختاره الله للأمة ديناً وحقاً، نسأله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا أبداً، ونسأله أن يعيذنا من نزغات الشيطان وأوهامه ووساوسه، وأن يجعلنا من الذين أنار قلوبهم بطاعته، وبصرهم بالحق، ودلهم عليه، ورزقهم الهدى والاستقامة والسلوك إلى الصراط السوي الذي يؤدي بهم إلى النجاة في الآخرة، والله تعالى أعلم.