[لا تنقسم البدع إلى خمسة أقسام ولا إلى حسنة وسيئة]
وبهذا نعرف خطأ الذين قسموا البدع إلى أقسام، فجعلوا البدعة تنقسم وتتعلق بها الأحكام الخمسة، وقالوا: إن من البدعة ما هو واجب وما هو مستحب وما هو مكروه وما هو مباح وما هو محرم، وجعلوا أشياء فعلها الصحابة بدعة، وقالوا: إن الصحابة جمعوا القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام ما جمعه، إذاً: هذا بدعة وهي بدعة حسنة.
نقول: ليس الأمر كذلك وليس هذا بدعة، بل الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر بكتابته، ولكنه عندما لم يتم تكامل نزوله إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك متسع من الوقت لجمعه في زمنه صلى الله عليه وسلم، فجمع وكتب في عهد أبي بكر الذي هو أول الخلفاء؛ لما عرف أن القرآن قد كمل وخاف أن يضيع شيء منه، فلا يعتبر طبع المصاحف ولا كتابتها ولا تجليدها على هذه الكيفية بدعة، وإنما هو من العادات والمباحات.
فإذا عرفنا مسمى البدعة وأنه يتعلق بالعبادات ويتوقف عندها، فإننا نجعل بقية الأمور على الإباحة.
وخلاصة ما ذكرنا: أن البدع منها ما يتعلق بالعقائد وقد تكون مخرجة من الملة وتقدم ذلك.
ومنها ما يتعلق بالعبادات التي هي الأعمال وقد ذكرنا أمثلة ذلك.
ومنها ما ليس ببدعة وإن اعتقده بعض الناس بدعة: كالأمور الخلافية التي جرى فيها خلاف بين السلف والخلف، ومنها ما هو على الإباحة: كالأمور الجديدة التي تجددت أو تتجدد في كل عصر من المخترعات والصناعات، فهذا باقٍ على أصل الإباحة، وليس من البدع المذمومة؛ لأن الله تعالى أباح لنا ما على الأرض في قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}[الجاثية:١٣]، فنتمتع بما متعنا الله تعالى به.
فهذا مجمل ما ذكرناه، وعلى المسلم أن يعرف كيف يقطع حجة الخصم الذي يخاصمه من المبتدعة، الذين زين لهم الشيطان ما هم عليه من البدع، وكذلك عليه أن يعرف كيف يقمع من يتشدد في باب البدع.