أما المقدمة فأقول: لا شك أن الذنوب والمعاصي والمحرمات سبب لمحق البركات وقلة الخيرات، وسبب لمنع الأرزاق، ولعقوبة الله تعالى ولتسليطه على عباده أنواعاً من المثلات، وذلك لأنه تعالى يغضب على من عصوه، ويعاقبهم بعقوبة على قدر ذنوبهم إذا لم يعفُ الله تعالى عنهم، كما ورد في بعض الأحاديث القدسية أن الله تعالى يقول:(إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصيتُ غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد).
والمعصية يدخل فيها كل مخالفة، فتكون سبباً لغضب الله تعالى، ولا يقوم لغضبه قائم، ولأجل ذلك يتوعد الله على كثير من المعاصي باللعن، ويتوعد على بعضها بالغضب، ويتوعد على بعضهما بالعذاب العاجل أو العذاب الآجل؛ وذلك تخويف منه للعباد حتى لا يقعوا في هذه المعاصي والمحرمات، ويخبرهم بأن هذه المعاصي سببٌ لمنع الرزق، وسببٌ لظهور الفساد، وسببٌ للشرور، ولتمكن الأشرار، ولتسلطهم على الأخيار.
سببُ ذلك هو هذه المعاصي وهذه المخالفات، يقول الله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:٤١].
الفسادُ: يعم فساد الأخلاق، ويعم فساد البلاد، ويعم العقوبة، ويعم الانحرافات؛ هذا كله عقوبةٌ على ما كسبت أيدي الناس، ويعم -أيضاً- العقوبة العامة التي يعاقب الله بها من عصاه وخالف أمره.
والكسب في قوله:(بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) هو المحرمات، يعني: بما عملوا من المحرمات التي تسبب العقوبة ومحق البركة، ومع ذلك فإنه سبحانه يخبر بأنه لا يعاجل عباده، ولكن يمهلهم ويؤخرهم، وإلا فلو عاجلهم لأحلّ بهم العقوبة الصارمة، ولذلك يقول الله تعالى:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}[النحل:٦١]، والضمير يعود على الأرض.
أي: ما ترك على الأرض من دابة.
أي: لو يؤاخذ الناس بما يستحقونه من عقوبة على المظالم والمعاصي والمحرمات، لعجل لهم العذاب ولأخذهم ولأهلك حتى الدواب في الأرض.