للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سماع الغناء وكشف وجه المرأة]

السؤال

انتشرت هذه الأيام فتاوى عدة في مسائل الحجاب والغناء من بعض المشايخ تبيح السماع إلى الغناء وكشف الوجه، وهناك من أخذ بهذه الفتاوى واعتبرها صحيحة، وإذا أنكرنا عليهم هذا الشيء قالوا: هذا موضوع اختلف فيه العلماء، فلا حرج فيها، ويقولون: ما الذي يدريك لعل الفتوى التي تبيح سماع الغناء أو التي تبيح كشف الوجه هي الصحيحة؟ فكيف نرد على هؤلاء وفقكم الله؟

الجواب

لا شك أن هؤلاء ممن يتبعون الهوى وما تميل إليه نفوسهم، فلما كانت نفوسهم مائلة إلى هذه الملاهي أو هذه المعاصي آثروا ذلك القول الذي يبيحها ولو كان قولاً ضعيفاً، فنقول: أولاً: مسألة الغناء: ما هناك أحد من العلماء أباحها إلا ابن حزم من الظاهرية، وابن حزم لا يُعد مع الأئمة الأربعة؛ حيث إنه انفرد عنهم بأشياء لا يقبلها العقل، تمسكاً بمسألة الظاهر، ولكنه هنا خالف الأدلة، والأئمة الأربعة وأتباعهم من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأئمة السلف كلهم يقولون بتحريم الغناء، والأدلة عليه واضحة -ولا مجال لسردها- من الكتاب ومن السنة، ومن أرادها فليقرأ كتاب ابن القيم إغاثة اللهفان، فإنه توسع في ذلك، حيث كتب فيه ثنتين وثلاثين صفحة فيما يتعلق بالغناء، وتبعه على ذلك كثير من العلماء فكتبوا في تحريم ذلك، وردوا على من قال بجواز ذلك.

وفي هذه الأزمنة كان ممن انتصر لـ ابن حزم رجل يقال له: أبو تراب الظاهري في الحجاز، حيث أباح الغناء، وآخر أخفى نفسه، وأخذ ينشر إباحة الغناء، ويتشبث بأشياء لا أصل لها ولا دلالة فيها، وقد رد عليه العلماء، ومن أفضل من رد عليه الشيخ حمود التويجري في كتاب اسمه "فصل الخطاب في الرد على أبي تراب " حيث ناقش أدلته، وبين بعدها عن الصواب، وكذلك الشيخ أحمد محمد باشميل ناقش الاثنين، وبين الصواب في ذلك.

فعلى هذا نحن نرجع إلى أدلة هؤلاء، وإلى أدلة هؤلاء، وسنجد أن الأدلة واضحة على التحريم، أما الذين استباحوا ذلك فليس لهم دليل صحيح، لا آية ولا حديث إلا مجرد عمومات، وقد تكلف ابن حزم في رد الأدلة تكلفات تبعد عن العقل.

ثانياً: مسألة حجاب النساء، لم يكن بين السلف فيها خلاف، بل ولا بين الأئمة، وكلهم يقولون: على المرأة أن تتحجب، وألا تبدي شيئاً من زينتها، فقط روي عن ابن عباس رواية شاذة أنه فسر قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] بأنه الوجه والكفان، ولكن تبين من رواية أخرى أن ابن عباس كغيره يقول: إن المرأة تستر وجهها إذا دخلت الأسواق، ولا تبدي إلا عيناً واحدة فقط تنظر بها، تستر عيناً وتنظر بعين، وتستر بقية وجهها، وكذا سائر السلف الذين فسروا القرآن وفسروا الآيات.

فهؤلاء الذين أباحوا في هذه الأزمنة ذلك، ما الذي حملهم على تجويزهم للمرأة أن تكشف وجهها، وأن تكشف يديها؟ إنما هو الواقع، لما رأوا الناس قد تفسخوا، ورأوا النساء قد خلعن جلباب الحياء تقليداً لمن وثب على البلاد من الأجنبيات من كافرات أو عاهرات أو غيرهن، ولما رأوا أن صور النساء قد انتشرت سواء في الأفلام أو في الصحف أو نحو ذلك، ورأوا أن نساء المسلمات في هذه الدول قد قلدنهم، وتوسع الأمر عليهم؛ قالوا: ما لنا إلا أن نتلمس لهم عذراً، فنبيح للنساء ذلك أحسن من أن يعصين علينا، فالمرأة إذا قلنا لها: تحجبي، قالت: لا أتحجب، وما دام أن هؤلاء يدعين الإسلام من البلاد الفلانية والبلاد الفلانية، ويأتين وهن على هذه الحال، فما الفرق بيننا وبينهن؟ قالوا: فنلتمس لهن عذراً حتى يفعلن شيئاً بديلاً بفتوى، فهؤلاء الذين التمسوا ذلك أمثال الطنطاوي وأشباهه، ما هو دليلهم؟ ليس لهم من الأدلة ما يصلح أن يكون دليلاً، ولو كان المجال واسعاً لتتبعناها وعرفنا بعدها عن الدليل، فهم فقط اعتمدوا على الهوى، واعتمدوا على ما ينظر إليه الناس، ولما رأوا النساء يملن إلى هذا أرادوا أن يتساهلوا معهن، ويفتوهن بالجواب الذي يناسبهن ويصلح لهن، وما هكذا يكون العالم، العالم يقول بالحق ولو لم يوافق أهواء الناس، هذا هو الواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>