وهكذا لو تتبعنا كثيراً من الأعمال لوجدناها كذلك لوجدنا أن الكثير من الناس قد يشقون على أنفسهم في تحمل كثير من التطوعات ويحرمون الأنفس لذتها وراحتها.
وآخرين يقصرون فلا يأتون بشيء منها أصلاً، ودين الله وسط بين ذلك.
ونذكر قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فإنه كان في أول شبابه كثير العبادة، فشق على نفسه، فكان يقوم الليل كله، ويختم القرآن في كل ليلة في تهجده، وهذا فيه غلو وفيه مشقة وفيه تعب، يؤدي إلى أن تفوت عليه حقوق واجبة، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا غلو، وقال:(إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، وهذا لا شك أنه زيادة تمل الإنسان من العبادة وتضجره.
وهناك آخرون لا يعرفون مثل هذه العبادات -ولو كانت نوافل- فلا يصلي أحدهم في الليل أصلاً، ولا يصوم إلا ما فرض عليه، ولا يأتي بشيء من النوافل، ولا يتقرب بشيء من القربات، وكأنه مستغن عن هذه العبادات ونحوها، فلا شك أن هذا في طرف وذاك في طرف، فالذي كلف نفسه فشق عليها متطرف شديد التطرف، والذي تساهل في العبادات ولم يأت بشيء من العبادات إلا المفروضة، ولم يتقرب بشيء من نوافلها، هذا أيضاً متطرف غاية التطرف، ودين الإسلام وسط، وهو أن تتقرب إلى الله بقربات لا تكره بها نفسك، ولا تحرم بها نفسك من حقك، ومن الحقوق الواجبة عليك، وما أشبه ذلك، ولا تنس عبادة الله، ولا تشتغل بالملذات وبالشهوات عن حق الله، ولا تعط نفسك كل ما تشتهيه من لذة ونوم وشهوة بطن وشهوة فرج ومأكل ومشرب وملبس ونحو ذلك.