بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مما لا شك فيه أن الله تعالى كلف العباد وأمرهم ونهاهم، وهذا الأمر والنهي قد تضمنه القرآن الكريم والسنة النبوية، ولابد للمأمور والمنهي -الذي هو المكلف- أن يبحث عما أمر به، وعما نهي عنه، وإذا يسر الله له القدرة على البحث وعلى المعرفة فإنه يفعل ذلك بنفسه، ويستدل على ما يفعله أو ما يتركه، وإذا صعب عليه فإن الله تعالى جعل من حملة العلم من يكون مرجعاً في ذلك، ولقد قامت الحجة على الخلق أجمعين، أولاً ببعثة الرسل، حيث جعل الله في كل أمة رسولاً يبين للناس ما أمروا به، وختم أولئك الرسل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بين هذا النبي عليه الصلاة والسلام للناس ما يحتاجون إليه، فما توفاه الله إلا بعدما بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، حتى قال بعض الصحابة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً، وأخبر بعضهم أنه علمهم كل شيء حتى الخراءة يعني: آداب التخلي التي يستحيى منها.
وكان صحابته رضي الله عنهم يسألونه عما أشكل عليهم، وإذا كان هناك أشياء ليسوا بحاجة إليها توقفوا عن البحث فيها، وخافوا أن ينزل عليهم شيء فيه المشقة، ولكن كانوا يفرحون إذا جاء أعرابي فاهماً فيسأل وهم يستمعون، وقد نقلوا إلى الأمة ما تعلموه، ونقلت الأمة جيلاً بعد جيل ما نقل عنهم وما قالوه، وكتب ذلك - والحمد لله- في مؤلفات أهل العلم.
ولكن ومع ذلك فإنه قد يقع شيء من الاختلاف بين أهل العلم بسبب اختلاف الأفهام، أو بسبب قصور بعض العلماء عن الاطلاع على الأدلة كلها؛ فلهذا تنوعت المذاهب، ووقع اختلاف في الفتاوى، ولكن هذا الاختلاف لما كان مجاله الاجتهاد كان موسعاً؛ ولذلك روي أن رجلاً كتب كتاباً في اختلاف العلماء والأئمة وسماه: الاختلاف، فعرضه على الإمام أحمد فقال: سمه كتاب السعة أي: التوسعة؛ لأن في الاختلاف في الأمور الاجتهادية توسعة على الأمة حتى لا ينحرجوا بقول واحد.
وحيث إن أغلب المسائل أدلتها واضحة فإن على المفتي أن يأخذ بالدليل الواضح، وإذا كانت المسألة فيها مجال للاجتهاد أبدى فيها رأيه، وقال: هذا قولي الذي أميل إليه، وللإنسان بعد ذلك أن يبحث أو يسأل غيره حتى يجد الجواب، فإن اتفقت الأجوبة علم أنه ليس هناك إلا قول واحد، وإن اختلفت رأى ما هو أقرب إلى أهداف الشريعة الإسلامية وسار عليه.
وغالب الأسئلة التي يقدمها العوام هي مجال اجتهاد، وإلا فإن المسائل الأصولية التي أدلتها واضحة لا أظنها تخفى على أفراد المسلمين لا سيما في هذه البلاد، حيث إن أولاد المسلمين منذ السنة السادسة أو السابعة وهم يتلقون الدروس، ويتلقون العلم مرحلة فمرحلة، هذا من حيث التعليم، وكذلك أيضاً من حيث العمل، فمن حين يبلغ الطفل السابعة وآباؤه يلقنونه أموراً في العقيدة وأموراً في العبادة، يلقنونه ويقولون له: افعل كذا، وقل كذا وكذا.
فالحمد لله ما بقي أحد ينقصه شيء إلا من معه شيء من الإعراض أو معه شيء من الغفلة، أو الذين نشئوا في أطراف البلاد البعيدة عن العلم وعن سماع القرآن وسماع الذكر وسماع المعلومات، فلا يستغرب إذا وجد منهم من يجهل أحكام العبادات، ويقع في شيء من المحرمات عن جهل، بسبب البعد عن العلم وأهله، فلا نستغرب أن في أطراف المملكة إما في الجنوب أو في الشمال ونحو ذلك ممن نشئوا في البوادي لا يعرفون شيئاً إلا مجرد أنهم مسلمون، ويسمعون كلمة الشهادتين ولا يدرون ما وراءهما، فهؤلاء ملومون على الإعراض مع أنه يمكنهم أن يتعلموا بوسائل كثيرة، ولكن للغفلة أو الاشتغال بالأمور الدنيوية أعرضوا.
أما الذين في القرى والذين في المدن فيستغرب أن أحداً منهم يجهل مسألة من أمور عبادته التي هو مأمور بها، سواء كانت فعلاً كالصلوات والطهارات وما أشبهها أو تركاً كالمحرمات ونحوها.