بالنسبة إلى الأمور المستجدة فقد عرف الشيخ بغيرته على أمور العقيدة، وألف رسالةً طبعت في ذلك الوقت، ثم طبعت مع مجموع رسائله، في إثبات أن القرآن عين كلام الله، وأنه كلام الله حقاً، وأن الذين قالوا: إنه حكاية أو عبارة فهم في الحقيقة ينكرون كلام الله.
وكان بعضهم يعرب بعض السور فمر على قوله تعالى:{قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}[عبس:١٧]، مع أن التلاميذ يعرفون أن هذا الحرف يفيد التعجب، وكان المدرس أشعرياً، فأنكر صفة العجب، وقال: لا يوصف الله تعالى بالعجب، فرفعوا الأمر إلى الشيخ، فعند ذلك أحضره وأقنعه وبين له: أن هذا يتعلق بالعقيدة، وأن الله تعالى موصوفٌ بصفات الكمال، وقد وصف الله نفسه بهذا في قوله:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}[الرعد:٥]، وكذلك في الأحاديث، فكان غيوراً على مثل هؤلاءِ.
وأذكر أنه في حدود سنة خمس وسبعين طلب منا أن نقرأ على بعض المشايخ، فتوقف بعض زملائنا، وأشدهم الشيخ محمد بن قاسم، وقالوا: لا يمكن أن نقرأ على هؤلاء، فأقنعهم، بأننا قد أقنعناهم وأنهم قد اقتنعوا بما نحن عليه، فامتنع الزملاء، وعند ذلك صرفنا إلى قراءة أصول الفقه فقال: اقرءوا على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه، وكذلك اقرءوا على الشيخ فلان في النحو، فالحاصل أنه كان يتنزل على رغبة الطلاب الذين يخافون أن يدخل في عقيدتهم شيءٌ من التغير.
وبالنسبة إلى غيرته رحمه الله، فقد كان غيوراً على المحرمات، وكان من الإخوان الذين يحبون أن يغيروا الشيخ: عبد الرحمن بن ريان رحمه الله والشيخ فهد بن حمين شفاه الله والشيخ: عبد الرحمن بن مقرن رحمه الله وغيرهم من التلاميذ الذين عندهم قدرة على الإنكار والإقناع، فكانوا كلما سمعوا بمنكر جاءوا إليه وبينوا له، وأكثر ما كانوا ينكرون على أهل اللعب -أهل المباريات- ونحوها، ويقولون: إنه يحضرها أناسٌ، وإنهم لا يؤدون صلاة العصر جماعة، ولا صلاة المغرب، فأصدر أمره: أنهم لا يأتون إلا بعد صلاة العصر، وأن ينصرفوا قبل صلاة المغرب، إذا كانت هناك مبارياتٌ أو ما أشبه ذلك.
وكذلك إذا أنكروا نشرة من النشرات، فإنهم يأتون إليه، فإذا أخبروه فإنه يغار على ذلك، ويرد على ذلك المتكلم في تلك النشرة، ولعل بعضكم يذكر ما قاله الشيخ ابن باز رحمه الله في مسألة دوران الأرض، حيث نشر نشرةً، وذكر قول الله تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}[يس:٣٨]، وقال: من أنكر جريان الشمس على ما ذكر الله، فإنه قد رد كلام الله، ويكون بذلك مرتداً، فرد عليه الشيخ المعروف بـ الصواف رداً طويلاً، وأخذ ينشره في الصحف، ولما نشر في ثلاثةِ أعدادٍ أمر الشيخ محمد رحمه الله بإيقافه، وعدم نشره لبقيةِ ما عنده، ولكنه نشر بعد ذلك كتابٍاً أو رسالةً سماها:(المسلمون وعلم الفلك)، وهي التي رد عليها الشيخ حمود التويجري رحمه الله، وحاولوا أن يقنعوا الصواف بذلك، ولكنه أصر على عقيدته وعلى ما هو عليه في هذه المسألة.
وكذلك كان الإخوان يفزعون إليه إذا رأوا منكراً، وكان المنكر في ذلك الوقت يستنكر ولو كان يسيراً، وكان يوجد في أقصى الرياض شرقاً: مطعم أو قهوة، وكان فيه هذا الجهاز الذي يسمى -السينما-، وانكب عليه الجهلة يزدحمون على النظر والتفكر في تلك الصور التي تعرض، ففزع الإخوان إليه، وأنكروا ذلك، وأمر بإقفاله فيما يظهر أو عدم استعمال هذا الجهاز لما فيه من الفتنة.
ولما خرج جهاز التلفاز المعروف، فزع إليه الإخوان وقالوا: إنه تظهر فيه منكرات، وإنه فيه مفاسد، فأكد على المسئولين: ألاَّ تظهر فيه صورة امرأة -أي: صورة الوجه- فإذا كانوا في حاجةٍ إلى إخراج كلامها فيكون كلاماً بدون صورة، فكانت المرأة لا يبدو شيءٌ من بدنها إلا كيدها، وأما الرأس والوجه فلا يظهر طوال بقائه رحمه الله، وبعدما توفي توسعوا كما هو الواقع، وقد عرف أن هذا فتنة.