الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن شريعة الإسلام شريعة واسعة، وشريعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، من الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، وقد ذكر الله تعالى في القرآن نساء الدنيا، وجعل لهن أحكاماً، وذكر ثوابهن في الآخرة كثواب المؤمنين من الرجال.
وقد كانت المرأة قبل الإسلام لا قدر لها عند الجاهليين، بل كانوا يحتقرونها ولا يعطونها شيئاً من المال؛ لأنها في زعمهم لا تقاتل ولا ترد الأعداء ونحو ذلك، فجاء الإسلام وجعل لها حقاً، وجعل لها مالاً، وجعل لها ملكاً، وعلق بها أحكاماً كثيرة، وألزمها بعبادات كما ألزم الرجال بعبادات، وجعل لها من الأحكام مثل ما للرجال، وجعل النساء شقائق الرجال.
ولا شك أنا بحاجة إلى معرفة تلك الأحكام، ولو كانت تختص بالنساء، كأحكام الحيض والنفاس، وما يتصل به مما تختص به المرأة، فالرجل بحاجة إلى معرفة ذلك؛ لأن لديه نساء من زوجات أو بنات أو أخوات أو محارم، فهو بحاجة إلى أن يعرف الأحكام التي تتعلق بالنساء حتى يعلم من تحت يده، وكذلك المرأة بحاجة إلى أن تعرف الأحكام التي تختص بالنساء، حتى تعرف كيف تعمل في تلك الأحكام.
وقد استثنيت المرأة من بعض الأمور التي تختص بالرجال، وذلك لا شك أنه كرامة لها وحفاظ عليها، فثبت في الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت:(يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فأسقط عنهن الجهاد الذي هو قتال الكفار، وجعل عليهن هذا الحج، حيث إنه جهاد للنفس، وقام مقام القتال، مع أنه إذا احتيج إلى المرأة فإنها تشارك في خدمة المجاهدين، فقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها هي وامرأة من الأنصار في غزوة أحد كانتا تخدمان الغزاة، فكانتا تأتيان بالماء وتفرغاه في أفواه القوم الذين أصيبوا، وكل ذلك خدمة للمجاهدين، فيكون ذلك جهاداً، وهكذا كان بعض النساء تغزو مع المسلمين، ومنهن أم سليم أم أنس بن مالك وغيرها، كن يغزون فيداوين الجرحى، وينقلن المرضى، ويخدمن الغزاة، ويقمن بأي عمل يحتاجوا إليه، فكان ذلك مما دعت إليه الشريعة.