للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من المغرم]

وقوله: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) المغرم: هو الدين، فقيل له: (ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف).

وهذا واقع كثيراً، فتجد أن الإنسان الذي يتحمل ديوناً يأتي إليه أصحابها يطالبونه بحقوقهم وبالوفاء، ولا يكون عنده، فيضطر إلى أن يكذب، فيقول: سأعطيكم بعد شهر، ولا يتيسر له ذلك، فيحدثهم حديثاً ليس بصحيح، وكذلك أيضاً يعدهم موعداً فيخلف وعده، ومعلوم أن ذلك من صفات المنافق: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف)، وقد يكون معذوراً حيث أنه لا يجد ما يوفي به ذلك الدين، فيضطر إلى أن يصرف صاحب الدين، وهذا مما ينفر عن أن يقع الإنسان في الدين إلا لضرورة، ويحسن نيته أنه سوف يوفيه إذا وجد ذلك، فهذا دليل على كراهة الاستدانة والحذر من أخذ أموال الناس بغير موجب ولا سبب.

كثير من الناس في هذه الأزمنة يوقعون أنفسهم في هذا المغرم، وفي هذه الاستدانة، فتجد أحدهم يستدين لأي شيء، يستدين حتى يعمر له منازل شاهقة، ويستدين ليشتري له سيارات فارهة، وهو ليس بحاجة إلى أمثالها، وكذلك يستدين حتى يطعم من طرقه أو من استضافه بأنواع من الأطعمة التي فيها إسراف، وهو غير مضطر إلى ذلك، فهو يذهب يستدين له ذبائح وفواكه وما أشبه ذلك، وتتراكم تلك الديون في ذمته، حتى يعجز عن الوفاء، ثم يعتذر بعد ذلك بأنه عاجز وغارم.

فالغرم هو: تحمل الدين في الذمة، كما قال تعالى حكاية عن بعض خلقه أنهم قالوا: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:٦٦ - ٦٧]، مغرمون يعني: مدينون ومحرومون مصابون بما أصبنا به، مما سبب تلف أموالنا، وبقاء الديون في ذممنا.

كذلك نقول قبل الدخول في الأحكام: إنه يجب على الإنسان الحرص على وفاء الدين الذي تعلق بذمته، ويحرم عليه تأخير ذلك بغير سبب، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) والمطل هو: التأخير، يعني: إذا كان غنياً قادراً على الوفاء فمطله -يعني: تأخيره للوفاء- ظلم.

وفي حديث آخر قال: (ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) الواجد هو: الذي يجد ما يوفي به دينه، (ليه) تأخيره للوفاء.

(يحل عرضه وعقوبته) أي: يبيح لأصحاب الديون أن يتكلموا في دينه ويسبوه، ويقولون: إنه مماطل وظالم، وإنه خاطئ بأخذ حقوق الناس، وعدم الوفاء لهم.

كذلك تحل شكايته حتى يؤخذ على يديه، ولا يتعدى على أموال الناس فيأكلها بغير حق، لقول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٨]، وذم الله تعالى اليهود فقال تعالى: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:١٦١]، فذلك كله يدخل فيه إذا استدان وهو ليس بحاجة، وأوقع نفسه في ذلك، وبقي الدين في ذمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>