[مسئولية الولد عن رعاية أبيه]
وأما الرابع: فهو قوله: (الرجل راع في مال أبيه، وهو مسئول عن رعيته).
معلوم أن الولد يساعد أباه في ماله، وفي حرفته وفي صنعته، وفي حرثه أو ماشيته أو ما أشبه ذلك، وعليه أن يساعد أباه فيما هو خير، فتارة يكون الأب صالحاً والابن صالحاً فيجتمعان في الصلاح، فيحفظ المال ويصرفه في مصارفه، ويخرج منه حق الله تعالى من زكوات وكفارات وما أشبهها، فيقوم إلى جانب أبيه بحفظ ماله، وتجنيبه المكاسب المشتبهة من غش أو خديعة أو غرر أو كذب في البيع والشراء، أو حلف مع فجور، أو مدح مع كذب، أو ما أشبه ذلك، فيجتمع الولد وأبوه على النصح والإخلاص الذي هو رعاية هذا المال وحفظه.
كذلك -أيضاً- في صرفه، فلا يصرف منه إلا ما هو مستحق يتصدق منه الولد ووالده على المستضعفين والمستحقين، واليتامى والمساكين والفقراء والمعوزين، وكذلك يصرف منه في المصالح العامة التي يحبها الله تعالى كالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المشاريع الخيرية كالمساجد والمدارس والكتب والنشرات، والأشرطة الإسلامية وما أشبهها، فيكون بذلك صالحاً ومصلحاً.
فهذا ممن وفقه الله تعالى -أولاً- في حفظ مال أبيه، وثانياً: في صرفه في مصارفه.
أما إذا كان الولد غير مصلح، فالغالب أنه إما أن يهمل ما استرعاه الله من مال أبيه، ولا يهتم به، ولا يحرص عليه مع أنه أمانة، فإما أن يفسده، وذلك أنه يؤمر بأن يصلح فيفسد، وكم حصل من الأبناء من إفساد لأموال آبائهم وإتلافها فيما لا فائدة فيه، فكثير منهم يطاوع ابنه في أن يتاجر إلى بلاد بعيدة، ويزوده بأموال طائلة يفسد تلك الأموال، فيصرفها في حضور مهرجانات ومسارح وأماكن دعارة وأماكن فساد، ولا يشعر بأنه يسبب له الفساد والشر المستطير.
هذه هي الأمور الأربعة التي ذكرت في هذا الحديث، ولا شك أن الأمور أكثر، فإنه صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذه الأربعة إلا كمثال، فنقول: إن كل وال فإنه راع ومسئول عن رعيته، فالقاضي الذي يتولى الحكم بين المسلمين راع، وعليه أن يعدل في هذه الرعية، قال الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨]، وقال الله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحْقَ} [ص:٢٦] يعني: أن الله تعالى جعله حاكماً يحكم بين الناس، ونهاه بقوله: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:٢٦]، فلاشك أن من أسباب العدل: أن يشعر القاضي بأنه مسئول عما استرعاه الله تعالى.
وكذلك المعلمون الذين يتولون تعليم الأطفال ونحوهم، هم مسئولون عن رعيتهم، فلا يكون هم أحدهم أن يمضي عدة ساعات في التطبيق أو في التدريس، ولا يشعر بما وراء ذلك، بل عليه أن ينصح لمن استرعاه الله تعالى، وهكذا يقال في المدراء ورؤساء المكاتب، ويقال أيضاً في المسئولين والأئمة والمعلمين، وكل من كان له ولاية على أمر فإنه مسئول عن ولايته، فعليه أن يحرص على أدائها كما أمره الله تعالى؛ حتى لا يكون مسئولاً سؤالاً لا يجد له جواباً، أو لا يكون جوابه صواباً.
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ونسأله سبحانه أن يعيننا على أداء ما ائتمننا عليه، وأن ينفع المسلمين بما يعلمون، ويرزقهم العمل به، وأن يعيذنا من علم لا ينفع عملاً ولا يرفع، إن الله على كل شيء قدير.
كما نسأله أن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وكل من له ولاية على أمر من الأمور، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتحذرهم من الشر، وأن يرزقهم الإخلاص في أعمالهم، والاهتمام بما ولاهم الله تعالى وبما استرعاهم عليه، إنه على كل شيء قدير.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.