فهناك من يدين الآن بدين النصارى، ولا شك أن دين المسيح كان ديناً سماوياً، ولكنه مؤقت، حيث إن المسيح ابن مريم عليه السلام كانت رسالته مؤقتة بنبوة وبإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بشر به في قوله:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:٦].
وقد أخذ الله الميثاق عليه بل وعلى كل الأنبياء أن يتبعوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم متى بعث، فقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}[آل عمران:٨١]، قال ابن عباس: ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء أن يتبعوه ويؤمنوا به وينصروه.
وثبت أيضاً أن دين موسى الذي يدين به أتباعه من اليهود سابقاً كان ديناً سماوياً اختاره الله وفضله في ذلك الوقت، ولكنه مؤقتٌ أيضاً ببدء إرسال هذا الرسول الكريم، فمنذ أن بعث وذلك الدين منسوخ، مع أن تلك الأديان التي هي دين اليهودية والنصرانية قد دخلها بعد أنبيائها الكثير من التحريف والتغيير والتبديل، وما ذاك إلا أن الله استحفظهم كتبها ومراجعها، وضمن حفظ شريعتنا بنفسه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩]، تكفل الله بحفظ هذه الشريعة أن يدخلها شيء من الزيادة والتغيير، وأما الشرائع التي قبلها فقد وكل حفظها إلى أولئك الحملة كما في قوله تعالى:{بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}[المائدة:٤٤]، فجعلهم وكلاء على حفظه ولم يتكفل بحفظه، فكان ذلك سبباً في وقوع تلك التحاريف والتغييرات والتبديلات في الشرائع السماوية مما جعلها غير ملائمة وغير مناسبة.