لقد جاءت الشريعة بحفظ كرامة المرأة وصيانتها، ومن صيانتها أن تقر في البيوت، وألا تبرز للرجال الأجانب، وأن تحتفظ بجمالها وبزينتها؛ ليكون ذلك أحفظ لها عن أن تمتد إليها الأنظار، وأن تطمع فيها النفوس المريضة، فحجاب المرأة وسترها وتسترها عن الرجال لا شك أنه كرامة لها، وليس كما يقول دعاة الضلال: إنه تحجر وتضييق على المرأة، وأن المرأة كالرجل، وأنها وأنها كما يهذي به هؤلاء الذين لهم أغراض نفسية، يريدون أن يشبعوا أغراضهم، ويريدون أن ينالوا مشتهياتهم، فلم يجدوا بداً من أن يتكلموا بهذا الكلام الدنيء الذي يحاولون به أن تبرز المرأة، وأن تخرج إلى جانب الرجل، وأن تشتغل معه سوياً، وهو غير محرم لها، وأن تبدي زينتها وجمالها ليتمتعوا بما يريدونه منها، هذه ادعاءاتهم كما يقول بعض المتأخرين: يرون أن تبرز الأنثى بزينتها وبيعها البضع تأجيلاً وتنقيدا يرون أنها حرة في نفسها، وأن لها أن تبذل نفسها لمن تريد بعوض أو بغير عوض، ولا شك أن هذا إهانة لها، وأن كرامتها في تطبيق الشريعة، والعمل بما جاءت به، وأن تقتصر على ما أمرها الله به، فما يتعلق بالتستر والتحجب قد بينته الشريعة، فأمر الله تعالى بتستر النساء، وأمر بغضهن للأبصار، فقال تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النور:٣١] لا شك أن هذا تعليم من الله تعالى للمرأة أن تحفظ زينتها، وألا تبديها ولا تبرزها لكل أحد، بل عليها أن تحفظ زينتها، وألا تبدي زينتها إلا لمحارمها وأهليها وأقاربها الذين حرمت عليهم، الذين هم أقارب لها ومحارم لها.
كما أن من كرامتها ومن الحفاظ على صيانتها ألا تسافر إلا مع ذي محرم؛ وذلك لأن الأطماع تمتد إليها، فالنفوس الرديئة متى رأت المرأة متبرجة أو خالية فإنها قد تطمع فيها، حتى في الأماكن المقدسة، كما ذكروا أن امرأة من السلف كانت تطوف وحدها في البيت الحرام، فلما رآها أحد الفسقة جاء إليها، وصار يطوف إلى جانبها، ويعاكسها ويتكلم معها، وهي لا تصغي إليه، فلما كان في اليوم الثاني قالت لأخيها أو لأحد محارمها: هلم فطف معي حتى تريني المناسك، فلما رآها ذلك الفاجر تطوف ومعها محرمها ابتعد عنها، فقالت: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي حرمة المستأسد الضاري تقول: إنه لما رآها خالية جاء إليها، وأخذ يغازلها، فلما رآها مع محرم ابتعد عنها، ومثلت ذلك بمن له غنم وعنده كلاب ضارية تحميها من الذئاب، فالذئاب إنما تعدو على الأغنام التي ليس عندها كلاب تحميها، وأما إذا كان عندها كلب مستأسد ضارٍ فإنه يذود تلك الذئاب ويبعدها ويحمي الغنم منها، فتمثلت بهذا المثل.
وبكل حال فلا شك أن من حفظها ألا تسافر إلا مع ذي محرم وأن ذلك من كرامتها؛ وذلك لأن المحرم عنده غيرة على محارمه، وأنفة وحمية، فحتى لا يطمع فيهن طامع -لأنها قد تضعف عن مقاومة أولئك المعتدين- لا جرم أن الشرع اشترط لها هذه الشروط.
وأما ما يتعلق بأحكامها الشرعية فلا شك أنها مثل الرجل في غالب الأحكام، فتجب عليها الصلاة كما تجب على الرجل، وكذا الطهارة بأنواعها، وتختص بأمور تتعلق بها كنجاسة دم الطمث ودم النفاس، وما يتعلق بذلك، وتختص أيضاً بأشياء تتعلق بالمناسك ككونها تلبس ما شاءت من اللباس، والرجل لا يلبس في الإحرام إلا إزاراً ورداءً، ويكشف رأسه، وذلك كله دليل على أن الشرع كما بين الأحكام التي تتعلق بالرجال فقد بين كذلك ما يتعلق بالنساء.