للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الإطعام أو ما يسمى بعشاء الوالدين وتثويبه لهما]

السؤال

ما القول فيما يفعله بعض الناس من إطعام ويجعل ثواب هذا لفلان من الموتى، وهو معروف عند الناس بعشاء الوالدين أو نحوه؟

الجواب

الصدقة لا شك أنها تصل إلى الميت، إذا تصدقت وجعلت أجرها لأبويك أو لأمواتك فلا بأس بذلك، سواء كانت تلك الصدقة مالاً؛ يعني: نقوداً تدفعها للفقراء الذين تحل لهم الصدقة، أو طعاماً بأن تدعوهم إلى طعام ليأكلونه وتقول: اللهم اجعل ثواب هذا الطعام الذي تصدقت به أو أطعمته لأبواي أو لأمواتي ونحو ذلك.

وإطعام المساكين لا شك أن فيه أجراً، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:٨] فدل على أنهم بإطعامهم هذا يريدون الثواب، ولهذا يقولون: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:٩ - ١٠].

لكن إذا كان الإطعام لغير مساكين كالإخوة والأقارب والجيران ونحوهم، ولم يكن الذين تطعمهم أو تعشيهم أو تفطرهم أو تسحرهم من الفقراء الذين هم أهل للصدقة، وإنما هم أقاربك وعشيرتك وجيرانك وزملاؤك؛ ففي هذه الحال فأنت تطعمهم كرامة لا صدقة؛ لأن هذا إنما هو إكرام لأجل الإخوة ونحو ذلك، ويهون على كثير النفقة في ذلك، فتراه يستضيف زملاءه، ويخسر الآلاف في ضيافتهم وفي إطعامهم، وتراه يقدم لهم أنواع المشتهيات، وهذا معلوم أن القصد منه هو الكرامة لا الصدقة، فإذا كان كذلك فما هو الثواب الذي يجعله لوالديه؟ هو ما قصد الثواب، وإنما قصد الكرامة، والضيافة، والزيارة وما أشبه ذلك، وهذا لا يحتاج إلى أن يقول: اللهم اجعل ثوابه لأبوي أو نحو ذلك.

أما ما يسمى: بعشاء الوالدين فهذا فيه أجر إذا كان يطعم من هم أحق بالإطعام أو من هم مستحقون، وكان هذا معروفاً في هذه البلاد منذ القدم إلى قرابة ثلاثين سنة أو عشرين سنة، كانوا كل أسبوع وبعضهم كل يوم إذا دخل رمضان يجتمعون عند أحدهم، فيجمع أقاربه ويجمع جيرانه، ويضيفهم، ويقدم لهم لحماً شهياً، ويقول: هذا عشاء الوالدين.

يعني: أجره لوالديه، وكان اللحم في تلك السنوات قليلاً، إنما يأكله أحدهم في الأسبوع مرة أو في الأسبوعين مرة، وربما لا يتيسر لبعضهم إلا في أيام الأضاحي ونحوها، ففي تلك الحال لا شك أن الطعام كان له وقع، والنفوس تشتهي هذا الأكل، وكان الأغلب فقراء وذوي حاجة، فإذا نوى بإطعامه أقاربه وجيرانه الذين هم محتاجون، وجعل ثواب ذلك لوالديه نفعهم ذلك إن شاء الله.

أما في هذا الأزمنة فما دام أن الغالب أن كل بيت فيه ثلاجة وفيها لحوم، وأن أهل كل بيت لا يأكلون غداءً ولا عشاءً غالباً إلا وفيه لحم، فما الصدقة فيهم؟ ماذا تؤثر فيهم وهم عندهم اللحوم وعندهم الأطعمة؟ فهذه لا يقال عنها: صدقة، ولكن يقال: كرامة وضيافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>