علم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذه صغيرهم عن كبيرهم وكبيرهم عمن فوقه إلى أن ثبتوا ذلك وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قيضهم الله عز وجل وقيض علماء الأمة من بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح ولتصفيته وحمايته مما يدخل فيه من الأكاذيب ومما ليس منه، ولهذا اشتغلوا بترتيب الأسانيد وتصفيتها، وهذه الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت، حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته.
ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون عن الإسناد، ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في الرواية، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم، حتى نعلم ممن أخذتم، فإذا سموا رجلاً موثوقاً عرفوا أن الحديث وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها.
علمهم الذي تميزوا به هو: حفظهم للسنة النبوية التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين، ولهذا اهتموا بتدوين كتاب الله وكتابته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أيام، فأثبتوه في صحف حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرف أن هذا هو القرآن المنزل عليهم.
ثم من علمهم أيضاً أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه، وذلك بتفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم، وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم، ولأنهم أعرف بأسبابه وأعرف بما يراد به، فلأجل هذا تُقدَّم تفاسير الصحابة وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات أو يطبقونها على الوقائع والحالات أو ما أشبه ذلك، فيقدم على الصحيح تفسير أولئك على غيرهم.
وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله ولكن نقدم التفاسير السلفية، ولأجل هذا فإن علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.