ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد بأن أهل الفترة يختبرون، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل عندما سأله عن أبيه:(هو في النار)، وحكم صلى الله عليه وسلم على أبيه عبد الله بأنه في النار، كيف نجمع بين ما سبق، ومنهم أهل الفترة؟
الجواب
حديث:(إن أبي وأباك في النار) قد صححه بعضهم؛ لأنه في صحيح مسلم، وبعضهم لم يصححه، وبكل حال فالحكم على أهل الفترة أنهم تحت مشيئة الله تعالى، فمنهم من تكون قد قامت عليه الحجة بأن وجد الحق ولكنه لم يشتغل به، فهؤلاء على ما حكم عليهم.
ومنهم من لم يبلغه شيء من الشريعة، ولم يسمع بشيء أصلاً عن الإسلام، فهؤلاء هم الذين ورد أنهم يختبرون.
وعلى كل حال نقول: الأحاديث التي فيها أنهم يختبرون أكثر، والحديث الذي فيه أنه حكم على بعضهم بأنه في النار محمول على أنهم قامت عليهم الحجة، أو أنهم عرفوا الدليل، أو أنهم كانوا في بلادهم عندهم ما يعرفون به الحق وما يحكم به عليهم، ويمكن أيضاً أن يحكم عليهم بأنهم تبع لآبائهم وأسلافهم الذين أضلوهم، وهذا أيضاً عليه الأدلة الكثيرة مثل قوله تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة:١٦٦] فيكون الأتباع مثل أسلافهم كلهم في النار، وكقوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}[القصص:٦٣]، ومثل قوله تعالى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:٢٧ - ٢٨] إلى قوله: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ}[الصافات:٣٢]، ومثل قول بعضهم لبعض:{لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ}[ص:٦٠] أي: قدمتم الكفر لنا ونحن تبعناكم، ومثل قولهم:{إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:١٧٣]، فهذه الأدلة تدل على أن الأتباع مأمورون بأن يقولوا الحق، وألا يقلدوا آباءهم، ولا يتمسكوا بأقوال أسلافهم، وإذا فعلوا ذلك فإنهم ملومون.