للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القائمون على أولادهم حق القيام]

القسم الأول: اهتموا بمن ولاهم الله تعالى من أولاد ونساء ونحوهم، وأولوهم عناية تامة، وقاموا بما يجب عليهم، فعلموهم العلم النافع، ولم يتكلوا على المعلمين الذين يعلمونهم في مدارسهم ابتدائية أو ما بعدها، عرفوا أن أولئك يعلمونهم القول، وأنهم بحاجة إلى التعليم بالفعل، فعلموهم بالفعل، وذلك لأن التعليم بالفعل قد يكون أبلغ من التعليم بالقول، فمثال ذلك: إذا حفظ الولد ذكراً أو أنثى شروط الوضوء وفروضه، فإن الوالد يقول له: أنت الآن تحفظ شروط الوضوء، وكذلك أنت تحفظ أركان الوضوء الستة، بينها وطبقها وأنا أنظر إليك، فيكون ذلك من التعليم بالفعل.

كذلك إذا لقن في المدارس أركان الإسلام فلابد أن والديه يربيانه على هذه الأركان، ويعلمانه كيفيتها، فإذا اعتنى الوالد بولده، وطبق معه أركان الإسلام، فإن ذلك من الرعاية الصادقة، وكذلك إذا تعلم في المدارس أركان الصلاة وشروطها وواجباتها ومبطلاتها وما أشبه ذلك، فإن مسئولية الوالد كبيرة في أن يطبقها معه، فيقول: يا ولدي! ما كيفية الصلاة؟ وما أركانها؟ وأين هذا الركن، وأين محله؟ وأين هذا المبطل وأين مكانه؟ وكيف تبطل الصلاة بترك هذا الواجب؟ وأين المستحبات في هذه العبادة؟ وعليه -أيضاً- أن يأخذ بيده إلى المسجد، ويقول: هذه هي الصلاة التي تعلمت أركانها، وعرفت أنها عمود الإسلام، وأنه لابد من أدائها في هذه المساجد بالنسبة إلى الذكور، فطبقها يا ولدي، ويمتثل الولد أمر والده بهذه العبادة، وبذلك يكون حقاً قد أدى هذه الأمانة.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهله في آخر الليل للصلاة النافلة، ويقرأ قول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢]؛ هكذا يتعاهد أهله بصلاة التطوع، فكيف بمن لا يأمرهم بصلاة الفريضة؟! كذلك -أيضاً- مدح الله تعالى نبياً من أنبيائه وهو إسماعيل، قال الله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:٥٥]، فمدحه الله بأنه يأمر أهله بهذه العبادات، ومعلوم أن الأمر من الولي يقتضي الإلزام، أي: يلزمهم بهذه العبادات التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم، والأمر بالشيء إلزام به، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ليس المراد أن يقول: يا بني! صل.

بل يأمره ويأخذ بيده، ويلزمه ويهدده، فهو ما بين السابعة إلى العاشرة يأمره أمر تعليم وأمر تفهيم وتأديب، وذلك ليألف هذه الصلاة ويحبها، وينشأ عليها صغيراً، وتكون بعد تكليفه محبوبة لديه لذيذة عنده، وبذلك يكون قد نشأ على طاعة الله تعالى، فإنه إذا نُشئ على ذلك نشأ عليه.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (وشاب نشأ في عبادة الله)، أي: نشأ في طاعة الله حيث تولى تربيته والد صالح مصلح، يحب أن ينشأ أولاده على الخير، وأن ينشئوا على محبة الله وعلى محبة عبادته، فالوالد الذي يربي أولاده على الصلاة والزكاة، وعلى العبادات المحمودة التي يحبها الله تعالى، ينشأ ولده صالحاً، ويكون قرة عين لوالديه.

وكذلك من مسئولية الوالد تجاه أولاده: أن يحبب إليهم ذكر الله تعالى، فيربيهم على الذكر تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتهليلاً واستغفاراً وحوقلة ودعاء، وكذلك يلقنهم في حال الطفولة ما هم محتاجون إليه، فيربيهم على معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وقد كان كثير من الآباء حين يبلغ ولده الثامنة من عمره وهو يلقنه الثلاثة الأصول وأدلتها؛ حتى ينشأ عليها؛ وحتى يكون على معتقد صالح سليم.

وهكذا من صفة هذا الأب الناصح: أنه يحبب إلى أولاده كلام الله تعالى، وينشئهم على محبته، فإذا كان هناك مدارس للتحفيظ حرص على أن يسجلوا فيها وأن ينافسوا فيها، وأخذ يشجعهم ويحثهم على مواصلة حفظ القرآن؛ فيشجعهم بأن يعدهم بالخير، ويعدهم بالصلات، ويعدهم -أيضاً- بنتائج طيبة، ويشجعهم بما يعطيهم من جوائز تحفز هممهم، وتدفعهم إلى المنافسة وإلى المسابقة، فإذا أحبوا كلام الله تعالى ونشئوا عليه كان ذلك من أسباب صلاحهم.

كذلك -أيضاً- يربيهم على الكلام الحسن، وعلى الآداب الحسنة، وقد ألفينا الآباء الصالحين يعلمون أولادهم محاسن الإسلام، فيعلمونهم البداءة بالسلام ورد السلام، وتشميت العاطس، وحمد الله تعالى بعد العطاس، ومحبة إخوانهم المسلمين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويعلمونهم النصيحة للمسلمين عموماً وخصوصاً، وكيفية هذه النصيحة، ويعلمونهم صدق الحديث، ويؤدبونهم عليه، وينهونهم عما يخالف ذلك، ويعلمونهم الأمانة، وأن يكونوا من أهل الثقة والأمانة وما أشبه ذلك، وكل هذا بلا شك مما يكون الولد به صالحاً بتوفيق الله تعالى.

وهكذا يحرص كل من الأبوين على أن يمنع عن الأولاد كل ما يفسدهم أو يفسد أخلاقهم، فيمنعونهم من سماع آلات الملاهي، ومن النظر إليها؛ لأنها غالباً تصرف الهمم إلى الشر، وتثير لذة الفساد والحرام في تلك النفوس الضعيفة، فتميل إلى الفساد، فإذا ربى الوالد أولاده من حين صغرهم على كراهة اللهو واللعب، وعلى كراهة الكذب والخيانة والعقوق وقطيعة الرحم والغش والتلبيس والتدليس والبغضاء والعداوة وما أشبه ذلك؛ فإن الله تعالى يحفظهم بعد ذلك، ويجعلهم محل ثقة وأمانة، ويكونون أهل صدق وإخلاص.

فهذه سيرة الصنف الأول الذين اعتنوا بأبنائهم، وحرصوا على إصلاحهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>