للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الجماعة الثانية في المسجد]

السؤال

بعض المصلين إذا دخلوا المسجد وقد قضيت الصلاة لا يصلون جماعة، ويقولون: إنه لا ينبغي أن تقام جماعة أخرى بعد انتهاء الجماعة الأولى من الصلاة، فهل فعلهم هذا صحيح؟

الجواب

هذا من جملة ما وقع فيه الاختلاف، ذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنهم إذا دخلوا بعد انتهاء الجماعة صلى كل واحد منهم فرادى، وعللوا ذلك بتعليلات، منها أنهم قالوا: ما دام أنها قد صليت الجماعة فإنا لا نعيد جماعة أخرى؛ مخافة أن الناس يتوانون ويتأخرون عن الجماعة الأولى، ويقول أحدهم: إذا فاتتني جماعة حصلت على جماعة، فيحصل لي الأجر، وليس لهم في ذلك إلا مجرد التعليل.

وهذا القول -وهو أنهم يصلون فرادى- تجدونه كثيراً في البلاد التي تعتنق مذهب الحنفية كبلاد الهند وباكستان وتركيا، وكثير من أهل مصر وسوريا على هذا المذهب، وهو أيضاً مذهب الشافعية، فعندهم أنها لا تعاد الجماعة، وأن المتأخرين يصلون فرادى.

والقول الثاني: أنهم إذا جاءوا وقد انتهت الجماعة الأولى صلوا جماعة ثانية، وإذا جاءوا وقد انتهت الجماعة الثانية صلوا جماعة ثالثة، وهكذا، وهذا هو الصحيح إن شاء الله، ونذكر بعض الأدلة ليقنع بعض من يسمع منهم، أو لتقنعوهم بالأدلة: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنان فما فوقهما جماعة) وهو حديث ترجم به البخاري، ورواه ابن ماجة، فجعل الاثنين جماعة، فإذا دخل اثنان بعد الصلاة فإنهما يصليان جميعاً، فتكون لهم جماعة.

الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة)، ومعلوم أنك إذا دخلت أنت وصاحبك وصلى هو وحده، وأنت وحدك، فقد صليت فرداً وصلى هو فرداً، وفاتتك هذه المضاعفة.

الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) أو كما في الحديث، وهذا حديث صحيح، فجعل صلاتك وحدك أنقص، وصلاتك مع واحد أكثر أجراً، وصلاتك مع اثنين ومع ثلاثة ومع أربعة أفضل، فكلما زاد العدد فهو أكثر أجراً، وهذا دليل واضح يرد قول الحنفية والشافعية.

الدليل الرابع: الحديث الذي فيه (أن رجلاً دخل بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام أبو بكر فصلى معه)، فهذا دليل على أنه يجوز أن يقوم مع المتأخر ولو إنسان قد أدى الصلاة جماعة فيصلي معه ليحيز على فضيلة الجماعة.

فنحن نقول: إذا رأيتم هؤلاء فاقنعوهم، وقولوا لهم: هذه الأدلة لو بلغت أبا حنيفة أو بلغت الشافعي لما تركاها، فأنتم لا تتركون هذه الأدلة؛ فقد قامت الحجة عليكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>