[من هم السلف وما سبب تسميتهم]
فالبحث الأول يتعلق بالسلف من هم؟ كثيراً ما نسمع: قال السلف، وهذا مذهب السلف، وعند بعض السلف.
اصطلح العلماء على أن أهل القرون الثلاثة المفضلة يسمون السلف، ومن بعدهم يسمون الخلَف إذا كانوا على الإسلام، أما المغيرون والمنحرفون فيقال لهم: خلَفْ، بمعنى: خالف بسوء.
فالخلَفَ معهم الإيمان ولكن هم أنقص من السلف، والخْلَف خلف سوء كما في قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:٥٩] فالخلفُ: هو الذي يأتي مخالفاً لمن قبله مخالفة كاملة، ونحن موضوعنا عن السلف، وذلك لأن الكلام على الخَلَف والخَلْف يحتاج إلى وقت آخر.
فالسلف: هم أهل القرون المفضلة، وهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.
فالصحابة: هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وماتوا على الإيمان ذكوراً وإناثاً، وقد حازوا قصب السبق؛ وذلك لأنهم فازوا وسبقوا غيرهم بالصحبة لكونهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه وسمعوا منه، ولا شك في فضلهم.
ثم جاء بعدهم تلامذتهم الذين هم التابعون، والتابعي: هو من رأى أحداً من الصحابة وعقل رؤيته، ولو من أصاغر الصحابة، وسمي كذلك لأنه تابع لمن قبله.
وتابعو التابعين: هم الذين رأوا أو أدركوا أحداً من التابعين، ولو من المتأخرين.
وقد ذكر العلماء أن الصحابة انقضوا في القرن الأول، قيل: إن آخرهم أنس بن مالك الذي مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: إن منهم من أدرك المائة كـ أبي الطفيل.
أما التابعون فاستمروا، حتى بقي بعضهم إلى أواخر القرن الثاني، ولكنهم يتفاوتون، فمن أكابرهم من أهل المدينة الفقهاء السبعة الذين أدركوا أكابر الصحابة: كـ سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ونحوهم من أولاد الصحابة الذين أخذوا عن كبار الصحابة وأدركوا الخلفاء أو بعضهم.
ومن أصاغر التابعين من رأى بعضهم، حيث ذكروا أن الأعمش رأى أنس بن مالك فكتب له رؤية فأصبح من التابعين.
أما تابعو التابعين: فهم الذين ما أثر أنهم رأوا أحداً من الصحابة، ومنهم بعض كبار الأئمة كـ مالك بن أنس وأبي عبد الرحمن الأوزاعي ومن في طبقتهما، فهؤلاء من أكابر تابعي التابعين.
وفيهم أيضاً أكابر حملة العلم ممن أثر عنهم علم عظيم، فتابعو التابعين بقوا إلى قرب القرن الثالث أو أواسطه.
ثم جاء بعدهم أتباعهم الذين ما أدركوا أحداً من التابعين فهؤلاء أتباع تابعي التابعين، ومنهم الأئمة البخاري ومسلم والشافعي وأحمد ونحوهم، فهؤلاء من أكابر أتباع تابعي التابعين.
ونقول: إن أهل القرون الثلاثة ومن في طبقتهم هم السلف؛ وذلك لأنهم سلفوا، أي: مضوا قبل من بعدهم، فالسلف معناه المضي، يقال: سلف الشيء إذا مضى وانقضى وانقرض، فهذا هو سبب تسميتهم بالسلف.
ثم إنهم سلفوا على الاستقامة، أي: مضوا على عقيدة سليمة مستقيمة، ليس فيهم من هو منحرف ولا مبتدع إلا من هو شاذ لا يؤبه له، ومن اضطهد وأذل وأهين في هذه الفترة التي هي فترة السلف الأجلاء، حيث كان من بينهم علماء الصحابة الذين حفظوا العلم، وعلماء التابعين، وعلماء تابعي التابعين، وكذلك منهم العُبَّاد والزهاد من رجال ونساء، ولا شك أنا إذا اعتقدنا أنهم على الصواب كانت أقوالهم قدوة.