[البدع خاصة بباب العبادات ولا تدخل في باب العادات]
وقد رفع بعض الناس إلى علماء الدعوة مقالاً شنع به عليهم، وذلك أن أئمة الدعوة رحمهم الله بدعوا من يفعل الأفعال الشنيعة عند القبور، وقالوا: إن رفع القبور بدعة وإن تشييدها وتجصيصها بدعة، وصدقوا في ذلك، أما الذين بقوا على تلك المعاصي ونصروها، فقالوا لأئمة الدعوة: إن عندكم بدعاً، فلماذا لا تنكرون بدعكم، وأنتم تنكرون علينا رفع القبور وتشييدها؟! ما تلك البدع التي يقولونها؟ يقول قائلهم: وها أنتم قد تفعلون كغيركم حوادث قد جاءت عن الأب والجد فحرب ببارود وشرب لقهوة وكم بدع زادت على العد والحد يقول هذا الناظم: إن عندكم بدعة يا معشر الوهابيين! ما هي هذه البدعة؟ كونكم تشربون القهوة فهذه بدعة! عد هذه من البدع مع أنها من العادات من المآكل ومن المشارب ونحو ذلك، وليس في ذلك تدخل في العبادات، وكذلك يقول: إنكم تحاربون بالبارود، يعني: تستعملون الأسلحة الجديدة كالبارود والبندقية التي يجعل فيها شيء من البارود الذي يدفع الرصاص، ونحوه من الأسلحة الجديدة كالدبابات والمدافع والصواريخ.
يقول: إن حربكم بالبارود بدعة، والسنة هي الحرب بالسيف وبالرمح وبالسهم ونحو ذلك، هكذا عد هذه من البدع، وأجيب بأن البدع إنما تكون في القربات، ولذلك يقول الذي رد عليه: وأعجب شيء أن عددت القهوة مع الحرب بالبارود في بدع الضد يعني: كيف تعد هذه من البدع، وهي ليست من البدع؟! إنما البدع ما كانت في القربات التي يتقرب بها العباد إلى الله تعالى، أما العادات فهي موسعة، فلا يقال مثلاً: إن بناء المساجد على هذه الهيئة بدعة! لأن الله تعالى لما وسع عليهم وبنوا دورهم وزخرفوها بهذه الزخرفة، كانت بيوت الله أولى بالعناية وأولى أن تظهر بمظهر لائق مناسب حتى لا تكون حقيرة بالنسبة إلى المساكن.
ولو أن المساجد بقيت على بنائها القديم من الطين مثلاً ومن البناء القصير ونحو ذلك، والبيوت حولها مزخرفة ومشيدة ورفيعة وملونة بالألوان، لكانت البيوت أرفع شأناً وأفضل من المساجد، ولكانت المساجد حقيرة في النفوس، وقد أمر الله تعالى بأن ترفع في قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}[النور:٣٦]، فلا يقال: إن بناءها على هذا بدعة بل إنه من المباحات، وإن وردت الأحاديث في النهي عن زخرفة المساجد فإن النهي عن ذلك في الزمن الذي قد لا تكون فيه زخرفة للبيوت ونحو ذلك، وقد تكون تلك الزخرفة فاتنة ولافتة للأنظار.
كذلك أيضاً جميع الآلات الحديثة الجديدة لا يقال: إنها داخلة في البدع، فلا يقال مثلاً: إن الاستنارة بالكهرباء من البدع، أو استعمال المكيفات والمراوح الكهربائية من البدع، وكذلك ركوب السيارات أو الطائرات إلخ، فكل ذلك ليس من البدع، بل من العادات، كما أن الألبسة من المباحات، فلم يكن الصحابة يلبسون العمائم كما نلبسها، وإنما كانت عمائمهم مدورة أو محنكة أو نحو ذلك، وهذا من جملة الأمور المباحة فلا تدخل في البدع، وكذلك ما كانوا يلبسون هذا اللباس العادي الذي هو القميص والعباءة وما أشبه ذلك، وكان غالب لباسهم كلباس المحرم: إزار ورداء، ولكن الأمر فيه سعة فلا يدخل ذلك في البدع، وهكذا أيضاً المأكولات ما كانوا يتوسعون بهذه المأكولات الجديدة: من أشربة وأطعمة وحلوى وما أشبه ذلك، وما كانوا يتوسعون في اللحوم كما نتوسع وما أشبه ذلك، وإن كان ذلك مذموماً حيث إنه إسراف وإفساد، ولكن كونه من البدع؟! ليس هذا بصحيح وإنما هو من العادات، فنعلم بذلك أن أصل العادات باق على الإباحة وليس فيها نهي إلا ما اقترن بمفسدة، كالإسراف والإفساد وحرمان خير أو شغل عن طاعة أو وسيلة إلى معصية وذنب، فإنه -والحال هذه- يعتبر منهياً عنه من هذه الحيثية، لا أنه قربة وعبادة.