فنقول أولاً: بدأ صلى الله عليه وسلم بالإمام، وكلمة (الإمام) يراد بها كل من هو قدوة مؤتم به، أي: أنه قائد لغيره، وأن الناس يقتدون به ويأتمون بأفعاله، ولذلك يسمى كل القادة أئمة، سواء كان الاقتداء بهم في الخير أو في الشر، قال الله تعالى في أهل فرعون:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص:٤١] فسماهم أئمة مع أنهم يقتدى بهم في النار، وقال تعالى في ذرية إبراهيم:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}[الأنبياء:٧٣]؛ فأخبر بأنهم أئمة يقتدى بهم في الخير، وقال في بني إسرائيل:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}[السجدة:٢٤].
وحكى الله تعالى عن المؤمنين أنهم دعوا وقالوا في دعائهم:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٤] أي: قدوة في الخير يؤتم بنا فيما هو خير وما هو من أسباب التقوى، للمتقين خاصة، وقوله:(إماماً)، أي: أئمة.
وكذلك قال الله تعالى لإبراهيم:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة:١٢٤]، فأخبر بأنه جعله للناس إماماً، أي: قدوة يقتدى به في الخير، ولذلك سأل ربه فقال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:١٢٤]، فهكذا أخبر بأنه جعله للناس إماماً، والإمام هو القدوة، وهو معنى قوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}[النحل:١٢٠] يعني: قدوة في الخير يقتدى به.