ولك أن تقيس على ذلك في كل شيء، حتى مثلاً في الأمور العادية، كأمور المأكل والمشرب والملبس وما أشبه ذلك، فإن الإسلام جاء في هذا بالوسط، فمثلاً اللباس الذي أنزله الله زينة للناس، وامتن به على عباده بقوله:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا}[الأعراف:٢٦]، هذا اللباس انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام، طرفان ووسط.
الطرف الأول: وهم أهل البذخ والإسراف والإفساد، فقد يكون لباس أحدهم بمئات أو بما يبلغ الألف أو الألوف، وهذا بلا شك أنه إفساد وإسراف وتبذير للمال بغير حقه، ويعتبر إفراطاً وغلواً، ولو أنه اقتصد واستعمل ما يكفيه، وتصدق بهذا الزائد أو أنفقه في وجه من وجوه الخير لكان خيراً له.
بينما هناك طرف آخر قد أنعم الله عليه ورزقه، ولكنه قصر على نفسه، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عليه ثيابٌ وسخة وممزقة، ثياب ذلة وهوان، فسأله فقال:(أليس قد رزقك الله مالاً؟ قال: بلى.
قال: من أي أنواع المال.
قال: من كل أنواع المال، من الإبل والبقر والغنم والرقيق والمال.
فقال: إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته)، فكون الإنسان راغداً غنياً ومع ذلك يقصر على نفسه، فيقتصر على ثياب دنسة وسخة متمزقة، قد تبدو منها عورته، يعتبر هذا تقصيراً وإخلالاً.
وخير الأمور أوسطها: فلا يسرف في اللباس، ولا يقصر في اللباس، إذاً: الوسط بين ذلك، لا إفراط ولا تفريط.