أما القسم الثاني: فهم أهل الإهمال، وهم أناس اشتغلوا بدنياهم، وانشغلوا بملاهيهم وبسهوهم وغفلتهم، ولم يهتموا بأولادهم ذكوراً وإناثاً، ولم يشعروا بما يكون فيه الأولاد وما يحتاجونه، فهم معرضون عنهم، ولاشك أن هذا الإعراض يسبب ضرراً كبيراً، وذلك لأن هؤلاء الأولاد إذا أهملوا ولم يكن هناك من يراقبهم، ولا من يحفظهم ويتولى أمرهم، فإنهم يدخلون في طريق الفساد، وذلك لكثرة المفسدين، وكثرة أهل الغواية الذين يجتذبون كل من وجدوه مهملاً إلى صفهم وإلى جانبهم.
وفي هذه الأزمنة تكثر وسائل الفساد، فإذا لم يكن الراعي مراقباً لرعيته أخذتهم هذه الوسائل، فالأولاد إذا بلغوا السادسة أو الخامسة ولم يكن آباؤهم يهتمون بهم، ولا يراقبونهم، فهناك ومن يتولى تربيتهم، فالغالب أن يتولاهم أهل الشر والفساد، حيث انشغل الآباء عنهم.
الأب الذي يخرج من صباح يومه، ويكب على دنياه وعلى تجارته أو حرفته أو صنعته أو وظيفته، ولا يأتي إلا في نصف الليل الأخير، وربما لا يأتي إلا آخر الليل، ماذا يكون مصير أولاده ونسائه وهو لا يشعر ولا يدري بما يفعلون، قد أهملهم وقد غفل عنهم، فهو إما منشغل بتجارته وبدنياه التي جعلها أكبر همه ومبلغ علمه، يكدح في أثرها، ويلهث وراءها، ويهتم بتحصيلها، وإما أنه صاحب لهو وسهو، إذا كان في أول الليل فكر في رفقته السيئة، يعكف معهم إلى آخر الليل على لهو وسهو وغناء وزمر وسمر على باطل، ولا يدري ماذا يكون من أهله! فلاشك والحال هذه أنه قد فرط في رعيته، وأنه مسئول عن هذا التفريط، ولا شك أن أولاده؛ سيما الذكور منهم الذين في إمكانهم أن يذهبوا ويتقلبوا، أنهم إذا خرجوا إلى أدنى ملهى وجدوا من يحتضنهم، فيوجد شباب مفسدون يأخذون هؤلاء الأطفال، ويربونهم على الفساد، وينشأ أولئك الأطفال المهملون شر نشأة، ويتربون شر تربية؛ فهذا أثر هذا الإهمال! رأينا كثيراً من الآباء قد عض كفه أسفاً وندماً على إهماله، وعلى تفريطه، فيقول: أبنائي وأولادي خرجوا عن طواعيتي، خرجوا عن مبدئي، وصاروا كلاً عليَّ، وصاروا غصة في حلقي، يفسدون أموالي ويتلفونها في شرب الخمور، فقد انهمكوا في شرب المسكرات، وانهمكوا في تعاطي الدخان، ففسدوا وفسدت أخلاقهم، فلا يعرفون عبادة، ولا يعرفون المساجد، ولا يهتمون بالقرآن، ولا يرتدعون عن هذه المنكرات وهذه المفسدات وما أشبهها.
قد وقعوا في الفواحش، وقعوا في زنا، وقعوا في لواط، وقعت نساؤه أو بناته في تبرج واختلاط، الولد يخرج بعد أن يأتي من المدرسة ولا يدري أهله أين هو إلى أن يأتي في آخر الليل أو في وسط الليل، فلا يدرى أهو في بئر أو في بطن بعير، وإذا جاء جاء وهو منهك قد أتعب نفسه بما تعاطاه من المسكرات وما أشبهها.
أيحب أحدنا أن يكون ولده كذلك، فيولي تربيته لمن يفسده، ولمن يوقعه في هذه الشرور وفي هذه المنكرات؟ لا شك أن هذا هو عين الإهمال، وأنه إضاعة لهذه الرعية.
ولا شك أن كل إنسان يرى هذا الصنف من الشباب الذين قد وقعوا في هذه المشكلات وهذه المنكرات، فيحرص على احتضان بقية أولاده حتى لا يصبحوا كذلك، كما رجع إلى ذلك كثير من الآباء عندما رأوا كبار أولادهم قد خرجوا عن طواعيتهم، فقالوا: السبب في ذلك الإهمال، لأننا انشغلنا عنهم، ووكلنا تربيتهم إلى من يفسدهم، فنحن أكبر متسبب، فلذلك علينا أن ننتبه لأولادنا الآخرين في حالة صغرهم، وأن نربيهم التربية الصالحة حتى لا يفسدوا كما فسد من كان قبلهم، ولا شك أنهم إذا وقعوا في الدخان وقعوا في اللواط، ووقعوا في المسكرات، ووقعوا في المنكرات.
وإذا وقعوا في هذه المخدرات التي تفسد العقول ماذا تكون عاقبتهم؟ يلحقون بالمجانين والبله الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، لأن هذه المخدرات وهذه الحبوب تسلب عقولهم وتأخذها شيئاً فشيئاً، وتكون هذه هي نهايتهم والعياذ بالله.