= (٣) وقوله: ولا بغبن ولو خالف العادة، قال الحطاب: الغبن -بفتح الغبن وسكون الباء- عبارة عن بيع السلعة بأكثر مما جرت العادة أن الناس لا يتغابنون بمثله أو اشتراها كذلك. وقال في أول سماع ابن القاسم من كتاب الرهون: لو باع رجل جارية قيمتها مائة وخمسون دينارًا، بألف دينار وارتهن رهنًا، وكان مشتريها من غير أهل السفه، جاز ذلك - قال ابن رشد: هذا يدل على أنه لا قيام في بيع المكايسة بالغبن، ولا أعرف في المذهب في ذلك نص خلاف. قال: وقد حكى بعض البغداديين عن المذهب -وعزاه لابن القصار- أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث، وليس ذلك بصحيح لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْتَزِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ". وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمَ". دليل على أنه لاغبن في غير المسترسل، وما لم يكن فيه ظلم فهو حق لا يجب القيام به، قال: وقد استدل على ذلك بعض الناس بقوله -صلى الله عليه وسلم- في الأمة الزانية:"بِيعُوهَا وَلَوْ بِطُفَيْرٍ"؟ وبقوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر:" لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَم".
قال: وهذا لا دليل فيه؛ لأنه خرج على المبالغة في التقليل، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في العقيقة:"وَلَوْ بِعُصْفُورٍ". وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ بِقَدْرِ مَفْحَصَةِ قَطَاةٍ بَنَى اللّهُ لَهُ بِهِ بَيْتًا في الْجَنَّةِ". وأشباه ذلك كثير. ا. هـ.
قال ابن عبد السلام وظاهر الأحاديث يدل على صحة مشهور المذهب لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر في الجمل الذي باعه منه، وقد ساومه أولًا:"بِعْنِيهِ بِدِاْهَمٍ". فَقال: لا. ثم ثبت في الصحيح أنه باعه له بخمس أواق على أن له ظهره إلى المدينة. ا. هـ. منه.
قلت: وأصل رد البيع بالغبن عند من يقول به الحديث المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمر أن رجلًا ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يخدع في البيوع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا بَابَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ". قال: فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خِلابة.
قال البغوي: الخلابة، الخديعة، وهي مصدر خَلَبْتُ الرجل، إذا خدعته، أَخْلُهُ، خَلْبًا، وخِلابةً. وفي المثل: إذا لم تَغْلِبْ فاخْلِبْ. أي إذا أعياك الأمر مغالبة، فاطلبه مخادعة.
قال البغوي: وفي جواز رد البيع بالغبن اختلف االناس؛ فذهب بعضهم إلى أن هذا الحديث خاص بحَبَّان بن منقذ، جعل له النبي -صلى الله عليه وسلم- شرطًا في بيوعه ليكون له الرد إذا تبين الغبن في صفقته.