وحدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتَّى تنجوَ من العاهة. قال مالك: وبيع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها من بيع الغرر.
(٢) وقوله: وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم يبكر، نسب المواق لكتاب ابن المواز: إذا أزهى في الحائط نخلة أو دالية بيع جميعه بذلك ما لم تكن باكورة. قال مالك: وإذا عجل زهو الحائط جاز بيعه، وإذا أزهت الحوائط حوله ولم يزه هو جاز بيعه. قال ابن القاسم: وأحب إليَّ حتى يزهيَ هو. ا. هـ. منه.
وحيث إني إنما التزمت إيراد ما وقفت عليه من الأدلة لا الآراء، فإني سوف اذكر أولًا ما وقفت عليه من السنة في بيع الثمار.
قال المنذري في مختصر أبي داود: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري. قال:
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. قال الخطابي في الكلام على هذا الحديث: الثمرة إذا بدا صلاحها أمنت العاهة غالبًا، ومادامت وهي رخوة رخصة، أي رطبة، قبل أن يشتد حبها أو يبدو صلاحها، فإنها بعرض الآفات، فكان نهيه للبائع عن ذلك لأحد وجهين:
- احتياطًا له حتى يبين صلاحها فتزداد قيمتها، ويكثر نفعة بالذات منها، لأنه إذا تعجل ثمنها لم يكن فيها طائل لقلته، فكان ذلك نوعًا من إضاعة المال.
- والوجه الآخر، أن يكون ذلك مناصحة لأخيه المسلم، واحتياطًا لمال المشتري لئلا تنالها الآفة فيبور ماله، أو يطالبه برد الثمن من أجل الجائحة، فيكون بينهما في ذلك الشر والخلاف.
قال: وأما نهيه المشتري فمن أجل المخاطرة والتغرير بماله؛ لأنها ربما تلفت بأن تنالها العاهة فيذهب ماله، فنهى -صلى الله عليه وسلم- عن هذا البيع تحصينًا للأموال، ولم يختلف العلماء أنه إذا باعها قبل بدو صلاحها بشرط أن يقطعها، جاز البيع، وإنما انصرف النهي عن البيع قبل بدو الصلاح، إلى البيع مع التبقية، وإذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها على الإطلاق، فقال أبو حنيفة: البيع جائز وعلى=