للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وإذا رهنه بالقول ولم يقبضه فعلًا. قال الشافعي: لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبَوضَةٌ}. فالقبض عند الشافعي شرط في لزومه. وقال أصحابنا: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفعه ليحوزه المرتهن، لقوله تعالى: {أُوْفُوا بِالْعُقُودِ}. الآية. قالوا: وهذا عقد. وقوله تعالى: {وَأَوفوُا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}. الآية. قالوا: وهذا عهد. ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ". قالوا: وهذا شرط؛ فالقبض عند أصحابنا شرط في كمال فائدة الرهن، وهو عند الشافعية شرط في لزوم الرهن وصحته كما علمت.

قال القرطبي: وقوله تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} يقتضي بينونة المرتهن بالرهن، وقد أجمع الناس على صحة قبض المرتهن، وعلى قبض وكيله، واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه، فقال مالك وجميع أصحابه، وجمهور العلماء: قبض العدل قبض. وخالف ابن أبي ليلى، وقادة، والحكم، وعطاء، فقالوا: لا يكون مقبوضًا إلا إذا كان عند المرتهن، ورأوا ذلك تعبدًا. قال: وقول الجمهور أصح من جهة المعنى، لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضًا لغة وحقيقة؛ لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل. وهذا ظاهر.

قال: وقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. قال علماؤنا: فيه ما يقتضي بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه، فإنه لا يجوز عندهم رهن المشاع؛ كأن يرهن عندهم ثلث دار، أو نصف عبد ونحو ذلك. قال ابن خويز منداد من أصحابنا: كل ما جاز بيعه يجوز رهنه. قال ابن المنذر: ورهن المشاع جائز كما يجوز بيعه. ا. هـ. منه. بتصرف.

قلت: ولأجل قولهم: ما جاز بيعه يجوز رهنه، قال أصحابنا: يجوز رهن ما في الذمة لأنه بمنزلة المقبوض عندهم يقبض وثيقة بذلك. وقال قوم: لا يجوز رهنه لأنه لا يتحقق إقباضه. والقبض عند هؤلاء شرط في لزوم الرهن لعلة إستيفاء الحق منه عند المحل.

وفي الكلام حديث عند البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْربُ بِنَفَقَتِهِ إذا كَانَ مَرْهُونًا، وعَلَى الَّذَي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ". قال الخطابي: هذا كلام مبهم، ليس في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب؛ هل الراهن أو المرتهن، أو العدل الموضوع على يده الرهن؟ =

<<  <  ج: ص:  >  >>