= قال القرطبي: قد جاء ذلك مبينًا مفسرًا في حديثين، وبسببهما اختلف العلماء في ذلك؛ فقد روى الدارقطني من حديث أبي هريرة: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إِذَا كَانَتِ الدَّابَّهُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمرْتَهِنِ عَلَفُهَا. وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهُ". ولذا قال أحمد واسحاق: ينتفع المرتهن من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة، وقال أبو ثور: إذا كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن، وإن كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه واستخدام العبد.
وأخرج الدارقطني أيضًا بإسناده عن اسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَغَلَقُ الرَّهْنُ وَلِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ". وبهذا قال مالك وأصحابه، والشافعي، والشعبي وابن سيرين. قال الشافعي: منفعة الرهن للراهن، ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الاحتفاظ به للتوثق، قال الخطابي: وهو أولى الأقوال وأصحها بدليل الحديث آنف الذكر.
قال القرطبي: وقد أجمعت الأمة على أن الأمة المرهونة لا يجوز للراهن أن يطأها، فكذلك لا يجوز له خدمتها. قال: وقد قال الشعبي: لا ينتفع من الرهن بشيء. فهذا الشعبي روى الحديث وأفتى بخلافه، ولا يجوز عنده ذلك إلا وهو منسوخ.
قال ابن عبد البر: وأجمعوا أن لبن الرهن وظهره للراهن، ولا يخلو احتلاب المرتهن له من أن يكون بإذن الراهن أو بغير إذنه، فإن كان بغير إذنه ففي حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحْلِبَنّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ". ما يرده ويقضي بنسخه، وإن كان بإذنه، ففي الأصول المجتمع عليها تحريم المجهول والغرر وبيع ما ليس عندك، ما يرد أيضًا، فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا والله أعلم.
قلت: نسب القرطبي للطحاوي القول أن ذلك كان وقت كون الربا مباحًا، ولم ينه عن قرض جر منفعة، ولا عن أخذ الشيء بالشيء وإن كانا غير متساويين، تم حرم الربا بعد ذلك. ا. هـ.
ولو شرط المرتهن الانتفاع بالرهن، قال ابن خويز منداد من أصحابنا. فلذلك حالتان: إن كان من قرض لم يجز، وإن كان من بيع أو إجارة جاز؛ لأنه يكون بائعًا للسلعة بالثمن المذكور، وبمنافع الرهن مدة معلومة، فكأنه بيع وإجارة. ومنع لك في القرض لأنه يصيره قرضًا جر منفعة =