= وقال الحطاب: ومعنى قول المصنف إلى حفظ مال ذي الأب بعده، أن الصبي لا يخرج من الحجر ببلوغه، بل هو محجور عليه إلى ظهور رشده. قال في التوضيح: ولا خلاف انه لا يخرج من الحجر قبل بلوغه وإن ظهر رشده. فإذا بلغ فإمَّا أن يكون أبوه حجر عليه وأشهد بذلك أم لا؛ أما إن حجر عليه فحكمه كمن لزمته الولاية، وإن لم يحجر عليه فإن علم رشده أو سفهه عمل عليه، وإن جهل فالمشهور أنه محمول على السفه. وروى زياد بن غانم عن مالك أنه محمول على الرشد. ا. هـ. منه.
قلت: الأصل في ذلك قوله تعالى في النساء: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم". أي أبصرتم ورأيتم. واختلف العلماء في تأويل {رُشْدًا} فقال الحسن وقتادة وغيرهما: صلاحًا في الدين والعقل. وقال ابن عباس والسُّدي والثوري: صلاحًا في العقل وحفظ المال. وأكثر العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ وعلى أنه إن لم يرشد بعد البلوغ، وإنْ شاخ لا يزول عنه الحجر. وهذا مذهب مالك وغيره، خلافًا لأبي حنيفة، وزفر بن هذيل، والنخعي، قالوا: لا يحجر على الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال ولو كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرًا، إذا كان عاقلًا. واحتجوا بقضية حَبَّان بن منقذ، ولا حجة لهم في ذلك لأنه حكم مخصوص به هذا الرجل كما هو معلوم.
قال الثعلبي: والذي ذكرناه من الحجر على السفيه هو قول عثمان، وعليٍّ، والزبير، وعائشة، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر رضوان الله عليهم، ومن التابعين: شريح، وبه قال الفقهاء: مالك وأهل المدينة، والأوزاعي، وأهل الشام، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد، واسحاق، وأبو ثور. قال الثعلبي: وادَّعى أصحابنا الإِجماع في هذه المسألة. ا. هـ. من القرطبي.
وإذا ثبت ذلك فاعلم أن فك الحجر عنه يكون بشرطين: البلوغ وإيناس الرشد. فإن وجد أحد هذين دون الآخر لم يجز تسليم المال إليه، وكذلك يشهد سياق الآية. وهو رواية ابن القاسم، وأشهب وابن وهب عن مالك في الآية. وهو قول جماعة الفقهاء إلا أبا حنيفة وزفر والنخعي، فإنهم أسقطوا إيناس الرشد ببلوغ خمس وعشرين سنة. =