= عنهما قالا: ليس على مؤتمن ضمان. قال: وروينا عن شريح: ليس على المستوح غير المغل ضمان، قال: وروي في ذلك حديث مسند ضعيف. ثم ساق سندًا آخر إلى عمروبن شعيب عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"مَنِ اسْتُودعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ".
قلت: وأَخرج في بلوغ المرام هذا الحديث وقال: أخرجه ابن ماجة وإسناده ضِعيف.
وأخرج البيهقي أيضًا أثرًا جاء فيه أن رجلين استودعا امرأة من قريش مائة دينار على أن لا تدفعها إلى واحد منهما دون صاحبه حتى يجتمعما، فأتاها أحدهما فقال: إن صاحبي توفي فادفعي إليَّ المال.
فأبت، فاختلف إليها ثلاث سنين واستشفع عليها حتى أعطته. ثم إن الآخر جاء فقال: اعطني الذي لي. فذهب بها إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر رضي الله عنه: هل من بينة؟ قال: هي بينتي. فقال ما أظنك إلا ضامنة. فقالت: أسألك أن ترفعنا إلى ابن أبي طالب. فأتو وهو - يطين حوضًا له في بستان وهو مترز بكساء - فقصوا عليه القصة فقال: ائتني بصاحبك وإلى متاعك. اهـ. منه.
ونقل القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(١) وقال ابن عباس: لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة، قال: وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أصحابها؛ الأبرار منهم والفجار. قاله ابن المنذر. والأمانة مصدر بمعنى المفعول ولذلك جمع.
وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: في خطبة الوداع: "الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ والْمِنْحَةُ مَرْدُودَة، وَالدّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ". حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره، وزاد الدَّارقُطْنِي: قال رجل: فَعهد الله؟ قال:"عَهْدُ اللهِ أَحَقُ مَا أُدِّيَ"، وقال - بمقتضى هذا الحديث وهذه الآية - أن الوديعة مضمونة على كل حال، كانت مما يغاب عليه أو لا، تُعُدِّي فيها أو لم يتعدَّ، كل من عطاء وأحمد والشافعي، وأشهب بن عبد العزيز من أصحابنا. وروي أن ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما ضمَّنا الوديعة.