للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الموهوب له قبل القبض، بطلت الهبة، قال: وقال أحمد في رواية أبي طالب وأبي الحارث في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات، إنها تعود إلى صاحبها، وروي بإسناد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة، قالت: لما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّ سلَمَةَ قال لها: "إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَ مِسْكٍ، وَلَا أرَى النَّجَاشِيَّ إلَّا قَدْ مَاتَ، وَلَا أَرَى هَدِيَّتِي إِلَّا مَرْدُودَةٌ إِلَيَّ فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَكِ". قالت: فكان ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مِسْك، وأعطى أمَّ سلمة بقية المسك والحلة. ا. هـ.

تنبيهٌ: ذكر ابن قدامة أنه حصل الاتفاق بين الفقهاء على أن ما وهبه المرء لذوي رحمه المحرم غير ولده، لا يجوز له الرجوع فيه، وكذلك ما وهبه الزوج لامرأته. قال: ووقع الخلاف فيما عدا هؤلاء. قال: فعندنا لا يرجع إلا الوالد، وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي، وقد ذكر من مجوزي الرجوع النخعي، والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي، قالوا: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يثب عليها. ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. واحتجوا بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِه مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا". رواه ابن ماجه.

وأمَّا دليل من منع الرجوع فقد قدمنا أنه الحديث المتفق عليه: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".

وأما المرأة تهب لزوجها. فقد اختلف العُلماء في ذلك، فقد قال قوم: لا رجوع لها في ذلك، ومن هؤلاء: عمر بن عبد العزيز، والنخعي، وربيعة، ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وعطاء، وقتادة، وهو رواية عن أحمد.

والرواية الثانية: لها الرجوع. قال الأثرم: سمعت أحمد يسأل عن المرأة تهب ثم ترجع، فرأيته يجعل النساء غير الرجال، ثم ذكر الحديث: "إِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْمَوَاهِبِ النِّسَاءُ وَشِرَارُ الْأقْوَامِ". وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبةً ورهبة، وأيما امرأة أعطت زوجها شيئًا ثم أرادت أَن تعتصره فهي أحق به. رواه الأثرم بإسناده، قال: وهذا قول شريح والشعبي، وحكاه الزهري عن القضاة.

قال: ولأحمد رواية ثالثة نقلها عنه أبو طالب: إذا وهبت له مهرها، فإن كان سألها ذلك ردَّه إليها رضيت أو كرهت؛ لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها =

<<  <  ج: ص:  >  >>