للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وغير خاف عليك أن البيت الأول اشتمل على أصلين هما: اليد الواحدة، هل تكون قابضة دافعة في آن واحد؟ والثاني: المصنوع هل يكون قابضًا لصنعته وإن لم يقبضه ربه؟ كما لا يخفاك إن البيت الثاني اشتمل على أمثلة الأصلين على سبيل اللف والنشر المرتب.

أما المفاضلة بين الأولاد في العطية فقد جرى اختلاف العُلماء في جوازها ومنعها. قال أصحاب ابن حنبل: فإن خص أحدهم بعطية أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية إمَّا برد ما فضل به البعض، وإمَّا بإتمام نصيب الآخر، قالوا: وهذا قول طاوس، وابن المبارك، وروي معناه عن مجاهد، وعروة، وكان الحسن يكره ويجيزه في القضاء.

وقال مالك، والليث، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي: ذلك جائز. وروي معناه عن شريح، وجابر بن زيد، والحسن بن صالح؛ لأن أبا بكر نحل عائشة رضي الله عنهما جذاذ عشرين وسقًا دون سائر ولده، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بشير قال لبشير: "أَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِي" فهو أمر بتأكيد الهبة دون الرجوع فيها. قال العُلماء: فقوله في بعض روايات الحديث: "هذَا تَلْجِئَةٌ فَأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِي". وفي بعض رواياته: "أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ واللُّطْفِ سَوَاءٌ". وفي بعض رواياته: "فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى هذَا. هذَا جَوْرٌ أَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِي. اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي النِّحَلِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ". قالوا: كل هذه الألفاظ تدل على صحة الهبة، وعلى أنه - صلى الله عليه وسلم - أرشد بهذه الألفاظ إلى ما هو أفضل؛ وهو العدل بينهم والتسوية، ولا خلاف بين علماء الأمة في أن ذلك أَفضل.

قلت: ويؤيد ما ذهب إليه أصحابنا ما وقفنا عليه من عمل الصحابة في هذا القبيل؛ فقد أثبت البيهقي بالإسناد أن أبا بكر رضي الله عنه فضل عائشة رضي الله عنها بنحل. قال: وقال الشافعي: وفضل عمر عاصم بن عمر بشيء أعطاه إياه، وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم، وساق البيهقي سندًا إلى ابن عمر أنه فضل بعض ولده بثلاثة أرؤس أو أربعة أقطعها له، وساق سندًا آخر إلى ابن عمر أنه فضل ولده واقدًا بأرض وقال: هذه الأرض لابني واقد، فإنه مسكين. نحله إياها دون ولده، ولم يبن لطالب العلم في في ذلك إلا أن ينظر بعين الإِنصاف وترك التعصب. وبالله التوفيق.

وأما التسوية بينهم فإنها كانت هي الأخرى محل أخذ ورد بين أهل العلم، ولا خلاف بينهم في =

<<  <  ج: ص:  >  >>