= استحباب التسوية بين الأولاد في النحل وكراهة التفضيل، ولكنهم اختلفوا في تحقيق مناط تلك التسوية. فقد قال قوم: التسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث؛ فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. هذا قول أحمد وعطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.
وقال قوم، منهم مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وابن المبارك: التسوية بينهم أن تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبشير بن سعد:"سَوِّ بَيْنَهُمْ". وعلَّل ذلك بقوله:"أَيَسُرُّكَ أَنْ يَستَوُوا فِي بِرِّكَ"؟ قال: نعم! قال: "فَسَوِّ بَيْنَهُمْ"، قالوا: والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها، واحتجوا أيضًا بحديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا لَآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ". رواه سعيد في سننه، واحتجوا من حيث النظر بأنها عطية في الحياة يستوي فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة.
وأما حق الوالد في الرجوع فيما وهبه لولده، فهو حق ثابت عند أصحابنا، وهو ظاهر مذهب ابن حنبل، سواء قصد برجوعه التسوية بين الأولاد، أو لم يرد ذلك. وبهذا يقول الشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال أحمد في إحدى الروايتين عنه: لا يجوز له الرجوع فيها، وبهذا قال أصحاب الرأي والثوري والعنبري، واحتجوا بحديث:"الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ".
واحتج الجمهور على جواز رجوعه في هبته بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بشير:"ارْدُدْهُ". وفي رواية "أَرْجِعْهُ". كما احتجوا بحدِيث طاوس عن ابن عمر وابن عباس يرفعانه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ فَيَرْجِعَ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وأما الأم فليس لها الرجوع في هبتها لولدها إلا ما دام أبوه حيًا - عند أصحابنا - فإذا مات أبو صار يتيمًا، وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع، ومعلوم أنه لا رجوع عندنا في صدقة التطوع، لقول عمر رضي الله عنه: من وهب هبة وأراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع.
ولا فرق بين الصدقة والهبة عند أحمد والشافعي، والحجة عندهم عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ". قالوا: وهو عموم يقدم على قول عمر، ثم هو خاص في الولد، وحديث عمر عام فيجب تقديم الخاص، وهذا قول وجيه من حيث الصناعة الفقهية، والله الموفق.