= إلى الحلق في المسجد يعرفها بغير رفع صوت فلا بأس. قال ابن قدامة: ومكان التعريف الأسواق وأبواب المساجد، والجوامع، في الوقت الذي يجتمعون فيه كأدبار الصلوات في المساجِد، وكذلك في مجامع الناس. وحكم التعريف الوجوب، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به زيد بن خالد الجهني وأبيَّ بن كعب ولم يقيد، فكان أمرًا مطلقًا. ومدة التعريف سنة كاملة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وبه قال ابن المسيِّب، والشعبي ومال، والشافعي، وأحمد وأصحاب الرأي. ودليل ذلك حديث زيد بن خالد المتفق عليه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره فيه بتعريفها سنة. ويجب التعريف فور التقاطها؛ لأن ذلك أحرى أن يصل خبرها إلى صاحبها، والدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتعريفها حين سئل عنها، والأمر يقتضي فور الامتثال.
قالوا: وكيفية التعريف؛ هي أن يذكر جنسها لا غير، كأن يقول من ضاع له ذهب؟ أو فضة؟ أو دنانير، أو ثياب، ونحو ذلك. لقول عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه لواجد الذهب في طريق الشام، ولا توصف اللقطة لأنه إن وصفها لعلم صفتها من يسمعها، فلا تبقى صفتها دليلًا لمالكها لمشاركة غير المالك في ذلك، ولأنه لا يؤمن أن يدعيها بعض من يسمع صفتها.
قال ابن قدامة: ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير، وقد روي ذلك عن عمر، وعليّ، وابن عمر، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، وطاوس، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
أما تحديد ذلك اليسير المباح، فقد قال مالك وأبو حنيفة: لا يجب تعريف ما لا تقطع فيه اليد، وهو ربع دينار عند أصحابنا، وعشرة دراهم عند أبي حنيفة، قالوا: لأن ما دون ذلك تافه فلا يجب تعريفه، والدليل على أنه تافه، قول عائشة رضي الله عنها، كانوا لا يقطعوت في الشيء التّافه.
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن عليَّ بن أبي طالب وجد دينارًا فأتى به فاطمة، فسألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"هُوَ رِزْقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". فأكل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكل عليّ وفاطمة، فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَلَيُّ أَدِّ الدينَارَ". رواه أبو داود، وفى سنده رجل مجهول.
أما مذهب أحمد، فقال: لا فرق في تعريف اللقطة بين يسيرها وكثيرها إلا ما كان من ذلك تافهًا =