= وقال ابن قدامة: وظاهر كلام أحمد والخرقي أن لقطة الحل والحراس سواء، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وابن المسيب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة. قال: وروي عن أحمد رواية أخرى أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك. وهو قول عن الشافعي، وله مذهب كالأول، والحجة للقول الأخير ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مكة:"لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لَمُنْشِدٍ". متفق عليه، قال أبو عبيد: معناه، لا تحل لقطة مكة، إلا لمن يعرفها، فهو محتمل جدًّا لهذا المعنى، علمًا بأن من يقول: لا فرق بين لقطة الحل والحرم. تمسك بعموم الأحاديث، مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا لِمُنْشِدٍ" يحتمل أن يريد: إلا لمن يعرفها عامًا، وتخصيصها بذلك لتأكدها. ا. هـ. منه بتصرف.
تنبيهٌ: ذكر الحطاب هنا، قال النووي في شرح مسلم: وفي جميع أحاديث الباب دليل على أن التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا إلى إذن سلطان، وهذا مجمع عليه، وفيها أنه لا فرق بين الغني والفقير، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. والله أعلم.
قال: وفي التمهيد: أجمعوا على أن للفقير أن يأكلها بعد الحول وعليه الضمان، وأخلفوا في الغني، فقال مالك أحب أن يتصدق بها بعد الحول ويضمنها، وقال الشافعي: يأكل اللقطة الغني والفقير بعد حول، وهذا تحصيل مذهب مالك. ا. هـ. منه بتصرف قليل.
قلت: قال الخطابي في معالم السنن: وفي قوله: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإلَّا فَاسْتَمْتعْ بِهَا".
دليل على أنه له أن يتملكها بعد السنة، ويأكلها بعد السنة إن شاء، غنيًا كان الملتقط لها أو فقيرًا، قال: وكان أبيّ بن كعب من مياسير الصحابة، ولو كان لا يجوز للغني أن يتملكها بعد تعريف السنة لأشبه أن لا يبيح له الاستمتاع بها إلا بالقدر الدي لا يخرجه عن حد الفقير إلى حد الغني، فلما أباح له الاستمتاع بها كلها، دل على أن حكم الغني والفقير لا يختلف في ذلك، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقد روي عن عمر بن الخطاب وعائشة إباحة التملك والاستمتاع بعد السنة.
وقالت طائفة: إذا عرفها سنة فلم يأت صاحبها، تصدق بها. روي ذلك عن عليّ، وابن عباس، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وإليه ذهب مالك. ا. هـ. منه.