قلت: ويستأنس لهذا بما روي عن عمر بن الخطاب أنه أُتيَ بشاهدِين، فقال لهما عمر: لست أعرفكما ولا يضركما إن لم أعرفكما، جيئا بمن يعرفكما، فأتيا برجل، فقال له عمر: تعرفهما؟ فقال: نعم، فقال عمر: صحبتهما في السفر الذي تتبين فيه جواهر الناس؟ قال: لا. قال: عاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع فيها الأرحام؟ قال: لا. قال: كنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما؟. قال: لا، قال: ابن أخي، لست تعرفهما، جيئا بمن يعرفكما. قال ابن قدامة بعد ما ذكر هذه القصة: وهذا بحث يدل أنه لا يكتفى بدونه، فإنه لا يخفى من شروط الشاهد ويحتاج إلى البحث عنه إلا العدالة، ولابد من البحث عنها لقوله تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}(١). ولا يعلم أنه مرضي حتى يعرف، فينبغي للقاضي أن يكتب أسماء الشهود، وكناهم، ونسبهم، والصفات التي يتميزون بها عن غيرهم، وصنائعهم، ومعائشهم، ومواضع سكناهم، والمساجد التي يصلون بها، وأسماء جيرانهم، وأهل سوقهم، ومحلتهم، ونحلتهم، وكل وصف يميز الشاهد عن غيره. ويكتب اسم المشهود له والمشهود عليه وقدر الحق الذي عليه الخصومة، يكتب القاضي ذلك كله في رقاع يدفع لكل واحد من أصحاب مسائله واحدة منها ليسأل عن عدالة هؤلاء. والعلة في كتابة اسم المشهود له، لئلا تكون قرابة بينه وبين الشاهد تمنع الشهادة، أو شركة كذلك، والعلة في ذكر المشهود عليه، لئلا تكون بينه وبين الشاهد عداوة. وينبغي للقاضي أن يخفي عن كل واحد من أصحاب مسائله ما يعطيه الآخر من الرقاع لئلا يتواطئوا، وينبغي كذلك أن يكون السؤال سرًا لئلا يكون في إعلانه هتك المسئول وينبغي للقاضي أن يكون أصحاب مسائله غير معروفين؛ لئلا يقصدوا بهدية أو رشوة، وأن يكونوا أصحاب عفاف في الطمعة والأنفس، ذوي عقول وافرة ومروءة تامة، أبرياء من الشحناء وبغض الناس، وأن لا يكونوا من أهل الأهواء والعصبية، وأن يكونوا أمناء، ثقات، لأن هذا موضع أمانة.
فهذا ما ينبغي أن يكون مزكي السر.
قال المواق: سمع القرينان: أترى المسألة عن الشهود سرًا؟ قال: نعم، وهو تعديل السر، ينبغي =