للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهادتهما ولم تقبل شهادته، وقد عاد مثل النصل من العبادة. قاله ابن قدامة.

والحجة عليهم أيضًا بأن كل ذنب تلزم منه التوبة، متى تاب صاحبه قبلت توبته؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (١). وقال تعالى في النساء: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٢) الآية. وإذا قررنا قبول التوبة بموجب كتاب الله، وجدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَّائِبُ مِنَ الذنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَه". فكيف ترى شهادة من لا ذنب له إذًا؟ أما قول أصحابنا بعدم قبول شهادة المحدود التائب في خصوص ما حد فيه فهو نظرًا لأصلهم المعروف عنهم من سد الذرائع، فخافوا أن يكون حريصًا على التأسي بغيره في المسألة، وهو نفس ما ردوا به شهادة المنبوذ في خصوص الزنا والقذف واللعان، ولكنه هو لمْ يَفعل شيئًا، والمصلحة أن لا يؤخذ أحد بجريرة غيره لقوله تعالى. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٣) الآية. وقد قال قوم بقبول شهادته في ذلك، منهم: عطاء، والحسن، والشعبي، والزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو حنيفة وأصحابه، وابن المنذر. اهـ.

(٤) وقوله: ولا إن حرص على القبول، إلى قوله. أو رفع قبل الطلب في محض حق الآدمي، يُريد به، والله أعلم، أن الحرص على قبول الشهادة من قبل الشاهد مبطل لشهادته، ومثل لذلك بمخاصمة المشهود عليه مطلقًا، سواء كانت في حق الله تعالى أو هي مخاصمة في حق الآدمي، أما في حق الله تعالى: كأن يتعلق أربعة برجل ويشهدوا عليه بعد ما رفعوه إلى القاضي، فقد قال ابن القاسم في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به، فأتوا به إلى السلطان، قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم، وأراهم قذفة، ورواه أصبغ في كتاب الحدود، وقال محمد بن رشد. إنما لم تجز شهادتهم لأن ما فعلوه من أخذه، وتعلقهم به، ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم، ولا يجب عليهم، بل هو مكروه لهم. لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره، قال رسورل الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَصَابَ مِنْ هذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ إِنْ يُبْدِ لَنَا فَضِيحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ". ونص هذا الحديث =


(١) سورة آل عمران: ١٣٥ - ١٣٦.
(٢) سورة النساء:١١٠.
(٣) سورة الإسراء: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>