= كما في الموطإ:"مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هذِهِ الْقَاذورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ". والرواية الأولى ذكرها الحطاب ولم يعزها لأحد من كتب الحديث.
قال الحطاب: فهؤلاء الذين تعلقوا به ورفعوه وشهدوا عليه، صاروا ظالمين له ومدعين عليه بالزنا، وقذفة له، فوجب عليهم الحد ما لم يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل؛ كالمرود في المكحلة. قال: ولو كانوا من أصحاب الشرطة المكلفين بتغيير المنكر ورفعه، فأخذوه ورفعوه وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم؛ لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم. اهـ. منه.
أما مثاله للحرص على القبول برفع الشاهد شهادته قبل الطلب، فقد قال شيخ مشائخنا، الشيخ محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني في النصيحة في الكلام على هذا الفرع: وأما الرفع قبل الطلب، فأقل أحواله أن لا يقدح. ا. هـ.
قلت: ذلك أنه روي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا". رواه مالك في الموطإ، ومسلم، والترمذي، وأبو داود. وأحسن ما سمعته من حيث الجمع بين الحديث الصحيح وبين حديث عمران بن حصين عند البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"خَيْرُ الْقُرُونَ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، تُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يأْتِي قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يُوفونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ".
أحسن ما سمعت من حيث الجمع بين هذين الحديثين ما ذكره ابن قدامة قال: من كانت عنده شهادة لآدمي، فإن كان عالمًا بها، لم يجز للشاهد أداؤها حتى يسأله ذلك، وعلى هذا حمل حديث عمران بن حصين، وإن كان المشهود له غير عالم بالشهادة التي عنده له، جاز للشاهد أداؤها قبل طلبها، وعلى هذا حمل حديث زيد بن خالد الجهني. والله تعالى الموفق وعليه التكلان، هو حسبنا ونعم الوكيل.
(٥) وقوله: وفي محض حق الله تعالى تجب المبادرة بالإِمكان إن استديم تحريمه، إلى قوله: وإلا خيّر كالزنا، نسب الحطاب هنا لابن عبد السلام أنه قال: إن كان هناك غيره ممن يتم الحكم بشهادته، فإنه يستحب له المبادرة تحصيلًا لفرض الكفاية، فإن أبى غيره، أو منعه من ذلك مانع، تعين عليه القيام.
وأما ابن رشد فقد قال: إن هذا في حق من يندر منه، يعني أنه لا يضره إذا كتم عليه وستر، قال: =