= وأما من كثر منه فينبغي أن يشهد عليه، وأن يعلم الإمام بذلك.
قال الحطاب: وحاصل ما تقدم أن ما حكاه ابن رشد، يعني سقوط شهادة من ترك الرفع بما يستدام تحريمه، هو ظاهر كلام المؤلف، وهو ظاهر إطلاقات أهل المذهب، ولا شك في ظهور الفرق بين وجوب رفع الشهادة وسقوطها بكون الشاهد هو المدعي فرفع الشهادة عند الحاكم، والإخبار بها من غير مخاصمة فيما يستدام فيه التحريم واجب غير مسقط للشهادة، كما يصرح به المصنف بقوله: وفي محض حق الله تعالى تجب المبادرة بالإمكان إن استديم تحريمه، وأما إن كان الرافع هو المخاصم، فتسقط الشهادة كما أطلقه هنا بقوله: كمخاصمة مشهود عليه مطلقًا. والله أعلم.
وقال المواق: قال في التمهيد: في هذا الحديث، يعني حديث الموطأ:"مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هذِهِ الْقَاذُورَاتِ". الحديث. فيه دليل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك أيضًا في غيره. وقال ابن العربي: إذا رأيته على معصية فعظه فيما بينك وبينه ولا تفضحه، روى النسائي وأبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا، كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْؤُودَةً مِنْ قَبْرِهَا".
وقال - صلى الله عليه وسلم - لهزال:"هَلَّا سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ". أخرجه أهل الصحيح. ولما أمر - صلى الله عليه وسلم - بقطع السارق، وقال صفوان: لم أرد هذا يا رسول الله. قال:"فَهَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ". قال: وكذلك الجوار أمانة، والجار عليه أمين، يغض بصره، ويصم أذنيه، ويكف عنه أذاه، ويسدل دونه حجابه، فإن رأى عورة سترها، أو سيئة غفرها، أو حسنة نشرها.
لطيفة: كان لأبي حنيفة جار إسكافي يعمل نهاره أجمع، فإذا جن الليل رجع إلى منزله وقد جمع لحمًا فطبخه، أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غزل بصوت يقول:
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يقوم الليل، ففقد ليلة صوت جاره فسأل عنه، فقيل أخذه الشرط وهو محبوس عندهم، فلما كان الصبح ركب بغلته فجاء الأمير، فأذن له أن ينزل؛ فلم يزل الأمير يوسع له في فراشه حتى أجلسه بجنبه، فقال. ما حاجتك؟ قال: إسكافي أخذه الحرس، ليأمر الأمير بتخليته. قال: نعم، وكل من أخذ معه تلك الليلة، فخلى جميعهم، فركب أبو حنيفة والإِسكافي يمشي وراءه، ولما نزل مضى إليه وقال يا فتى، أضعناك؟ قال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجار ورعاية الحق، وتاب الرجل عما كان فيه. =