للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= النظر في القصاص في نوعين في النفس والطرف، فتكلم على النفس، يعني فيما مضى، ثم شرع يتكلم على النوع الثاني وهو القصاص في الطرف، فقال إنه يشترط في القطع والقاطع والمقطوع ما يشترط في القتل والقاتل والمقتول، ففي الجرح يشترط إن يكون عمدًا عدوانًا، ويشترط في الجارح أن يكون مكافئًا للمجروح، مكلفًا بلا زيادة حرية أو إسلام، ويشترط في المجروح أن يكون معصومًا من الرمي للإِصابة، ثم استثنى فقال: إلا شخصًا ناقصًا برق أو كفر، جرح كاملًا بحرية وإسلام فلا يقتص له منه، هذا هو المشهور عن الإِمام مالك. وبه قال الفقهاء السبعة، وعليه عمل أهل المدينة. وروى ابن القصار عن الإِمام مالك عليه رحمة الله وجوب القصاص في ذلك. ا. هـ. الإِكليل.

وأدلة جريان القصاص فيما دون النفس من الجروح إذا أمكن هي قوله تعالى في المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (١)، الآية. وفي الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه أن الرُّبيِّع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا إلا القصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله، تكسر سنية الرُّبيِّع؟! والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيَّتُها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَهِ الْقِصَاصُ" قال: فعفا القوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ".

هذا، وأجمع المسلمون لهذه الأدلة على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن القصاص فيها، لأن الجراح على ضربين: ضرب تتأتى فيه المماثلة: وهو الذي يجري فيه القصاص، كالدامية من الشجاج وما بعدها إلى الموضحة، وكقطع الأطراف وكقلع العين وغير ذلك من الأعضاء.

قال البغوي: وجملة ذلك أن كل طرف له مفصل معلوم، قطعه جان من مفصله من إنسان يقتص له منه كالأصبع يقطعها، أو اليد يقطعها من الكوع، أو من المرفق، أو الرجل يقطعها من المفصل، يقتص منه. وكذلك لو قلع سنه، أو قطع لسانه، أو قطع أنفه، أو أذنه، أو فقأ عينه، أو جبّ ذكره، أو قطع أنثييه، يقتص منه، وكذلك لو شجه موضحة في رأسه أو جبهته، يقتص منه، ولو جرح رأسه دون الموضحة أو جرح موضعًا آخر من بدنه، أو هشم العظم، فلا قود عليه، لأنه لا يمكن مراعاة المماثلة في ذلك. قال: وكذلك لو قطع يده من نصف الساعد، فليس له أن يقطع يده من ذلك الموضع وله أن يقتص من الكوع، ويأخذ حكومة من نصف الساعد. =


(١) سورة المائدة: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>