= قال: ولا قود في اللطمة، والخمشة، إنما فيهما التعزير تأديبًا، والحكومة إن بقي لها أثر، قال: وممن ذهب إلى هذا الحسن وقتادة، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
وذهب جماعة إلى أنه يقاد من اللطمة والضربة بالسوط، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين الأربعة، وإليه ذهب شريح، والشعبي، وابن شُبْرُمة، وروي عن أبي بكر أنه أقاد من لطمة، ومثله عن عليّ وابن الزبير، وسويد بن مقرن، وأقاد عمر من ضربة بالدرة، وأقاد علي من ثلاثة أسواط.
واحتج من لم يوجب بذلك القود أنهم إنما فعلوا ذلك على وجه التعزير.
قلت: هذا يأباه ما ورد به النص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أسيد بن حضير بينما هو يحدث القوم يضحكهم، وكان فيه مزاح، فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في خاصرته بعود، فقال: أصبرني، فقال:"اصْطَبِرْ" فَقال: إن عليك قميصًا، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، وقال: إنما أردت هذا يا رسول الله. قال: وقوله: أصبرني أي أقدني. وقوله "اصْطَبِرْ" أي استقد. فهذا نص في الموضوع لا ينبغي العدول عنه.
وأيضًا فقد روى أبو سعيد الخدري. قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسمًا أقبل رجل فأكب عليه، فطعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرجون كان معه، فجرح بوجهه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَالَ فَاسْتَقِدْ". فقال: بل عفوت يا رسول الله، رواه النسائي في القسمة، باب: القود في الطعنة، وهو وإن كان في سنده مجهول، فقد يتعضد بحديث أسيد بن حضير عند أبي داود، وبما أخرجه النسائي عن عمر بن الخطاب: إني والله ما أرسلت عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل فليرفعه إليَّ أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: لو أنَّ رجلًا أدَّب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال: أي والذي نفسي بيده لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص من نفسه. ا. هـ. منه.