قال القرطبي في تفسيره: اختلف العُلماء في الحكم بالقسامة، فروي عن سالم وأبي قلابة وعمر بن عبد العزيز، والحكم بن عُيينة، التوقف في الحكم بها. وإليه مال البخاري؛ لأنه أتى بحديث القسامة في غير موضعه. وقال الجمهور: الحكم بالقسامة ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم اختلفوا في كيفية الحكم بها، فقالت طائفة: يبدأ فيها المدعون بالأيمان، فإن حلفوا استحقوا، وإن نكلوا حلف المدَّعى عليهم خمسين يمينًا وبُرّئُوا. هذا قول أهل المدينة، والليث، والشافعي، وأحمد، وأَبي ثور، وهو مقتضى حديث حويِّصة ومُحَيِّصة، خرجه الأئمة، مالك وغيره.
وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ بالأيمان المدَّعى عليهم؛ فيحلفون ويبرؤون. روي هذا عن عمر بن الخطاب، والشعبي، والنخعي، وبه قال الثوري والكوفيون. واحتجوا بحديث شعبة بن عبيد عن بُشير بن يسار، وفيه: فبدأ بالأيمان المَدَّعى عليهم وهم اليهود. وبما رواه أبو داود عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجال من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود وبدأ بهم:"أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا"؟. فأبوا، فقال للأنصار "اسْتَحِقُّوا". فقالوا: أنحلف على الغيب يا رسول الله؟. فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم. واحتجوا أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "وَلكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى =