= فقد أجاب النسائي عن ذلك بأن مالكًا أنزل العداوة التي كانت بين الأنصار واليهود بمنزلة اللوث.
واختلف العُلماء أيضًا في وجوب القود بالقسامة، فقال طائفة بوجوب القود بها، منهم مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل وأبي ثور، واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحُويِّصة ومحيِّصة وعبد الرحمن:"أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"؟ وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل رجلًا بالقسامة من بني نضر بن مالك. قال الدارقطني: نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحة، وكذلك كان أبو عمر بن عبد البر يصحح حديث عمرو بن شعيب ويحتج به. وقال البخاري: رأيت عليَّ بن المديني وأحمد بن حنبل، والحميدي، وإسحاق بن راهويه يحتجون به، قاله الدَّارقُطْنِي في السنن.
وقالت طائفة: لا قود بالقسامة وإنما توجب الدية، روي هذا عن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما. وهو قول النخعي، والحسن، وإليه ذهب الثوري والكوفيون، والشافعي، وإسحاق، واحتجوا بما رواه مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله عن سهل بن أبي حيثمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأنصار:"إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ". لَالوا: وهذا يدل على الدية لا على القود، وأولوا لفظ الحديث الوارد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَتَسْتَحِقُّون دَمَ صَاحِبِكُمْ". قالوا معناه: دية دم صاحبكم لأن اليهود ليسوا بأصحاب لهم.
ولا يحلف في القسامة أقل من خمسين يمينًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - لمحيّصة وحويّصة:"تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ". فإن كان المستحقون خمسين رجلًا أقسم كل واحد منهم يمينًا واحدة، فإن كانوا أقل من ذلك، أو نكل منهم من لا يجوز عفوه، ردت الأيمان عليهم بحسب عددهم. ولا يحلف في العمد أقل من اثنين من الرجال، ولا يحلف فيه الواحد من الرجال ولا النساء، يحلف الأولياء ومن يستعين بهم الأولياء من العصبة خمسين يمينًا. هذا مذهب مالك، والليث، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وداود.
والرواية الأخرى عن مالك رواها مطرف عنه أنه لا يحلف مع المدعى عليهم أحد، ويحلفون هم أنفسهم، كما لو كانوا واحدًا فأكثر خمسين يمينًا يبرئون بها أنفسهم. وبهذا يقول الشافعي، قال: ولا يقسم إلا وارث، كان القتل عمدًا أو خطأ. ولا يحلف على مال، ويستحقه إلا من له الملك لنفسه، =