للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (٣) وقوله: وسحر، نسب المواق لمحمد، قال: قول مالك وأصحابه: إن الساحر كافر بالله، قال مالك: هو كالزنديق، إذا عمل السحر بنفسه، قتل ولم يستتب، ومن لم يباشر عمل السحر وجعل من يعمله له، ففي الموازية يؤدب أدبًا شديدًا، قال المواق: يريد ويثبت ذلك عن الإِمام؛ لأنه معنى يجب به القتل، فلا يحكم به إلا بعد ثبوته وتحقيقه، كسائر ما يجب به القتل.

وقال ابن قدامة: السحر هو عُقَدٌ ورُقىً وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله، من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه من وطئها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، ومنه ما يبغض أحدهما إلى الآخر، ومنه ما يحبب بينهما، والدليل على أن للسحر حقيقة أن الله تعالى أمرنا بالاستعاذة منه بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (١). يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن عليه. وقال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (٢)، ذكر أبو عبد الله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، أن سبب نزول هذه الآية، أن اليهود عارضت محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وبسحر هاروت ومارِوت. وقال ابن إسحاق: لما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سليمان في المرسلين، قال بعض أحبارهم: يزعم محمد أن ابن داود كان نبيًا، والله ما كان إلا ساحرًا. فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}. فقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} تبرئة من الله تعالى سليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحدًا نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، فلما كان السحر كفرًا صار من نسبه إلى السحر بمنزلة من نسبه إلى الكفر. ثم قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. فأثبت كفرهم بتعليم السحر، فقوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر} في موضع نصب على الحال، ويمكن أيضًا أن تكون في موضع رفع على الخبرية، على أنه خبر ثان.

قال: فهذه الآية دلت على أن للسحر حقيقة، وكذلك قوله تعالى في قصة سحرة فرعون: {وَجَاءُوا =


(١) سورة الفلق: ١ - ٤.
(٢) سورة البقرة: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>